منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٦ - الصفحة ٤٢٧
وصريحه في بحث مقدمة الواجب من قوله: (لكنه لا بالملازمة، بل من باب استقلال العقل بتنجز الاحكام على الأنام بمجرد قيام احتمالها) فان أريد به الوجوب الطريقي فيرده ما تقدم في الاستدلال عليه. مضافا إلى أن هذا الوجه العقلي انما يمنع الرجوع إلى البراءة قبل الفحص، ولا يقتضي لزوم تعلم الاحكام، فله الاحتراز عن مخالفة الاحكام بالاحتياط.
وقد ظهر بما ذكرنا أن وجوب الفحص ليس حكما مولويا بأقسامه من الطريقي والنفسي والغيري. كما أنه ليس شرطيا بمعنى اشتراط حجية أدلة الاحكام والأصول النافية بالفحص، لعدم أثر من الشرطية في الأخبار الآمرة بالتعلم، فلا محالة يكون الامر به في الروايات إرشادا إلى حكم العقل بعدم معذورية الجاهل الملتفت المفوت لأغراض المولى بتركه الفحص عنها، إذ مثله يتعين عليه تعلمها أو العمل بالاحتياط. وقد تقدم في بحث البراءة كون أخبار الاحتياط إرشادا إلى حسنه العقلي وليس فيها جهة مولوية.
نعم يمكن الالتزام بوجوب التعلم غيريا على الجاهل الملتفت الذي لو أدى ترك الفحص قبل الوقت والشرط إلى الغفلة عن الحكم و المتعلق وخصوصياته بعد تحقق الشرط ودخول الوقت وتعذر عليه الامتثال حتى الاحتياطي منه، وذلك بمناط المفوتية كما يتصور ذلك بالنسبة إلى كثير من أهل البوادي والقرى الذين لم يتعلموا شرائع الاسلام فغفلوا - بسوء اختيارهم - لأجله عن كثير من الواجبات والمحرمات، فيجب الفحص لاستكشاف خطابات بها من نفس الاغراض التامة الكامنة في الافعال المشروطة والمؤقتة، إذ لولاه لصار مسلوب القدرة على المتعلق في ظرفه كما في تفويت الحج في الموسم بترك المسير إليه.