التعبد بالمتيقن، وهو لا يزيل الشك، فلو كان الموضوع مما يعتبر فهي العلم فيه شرعا، أو عقلا، فلا يجرى الاستصحاب لعدم ثبوت الموضوع به، الا إذا كان العلم مأخوذا في الموضوع بما انه مقتض للجري العملي، ولعله يكون باب الشهادة من هذا القبيل، وهذا لا يختص بالاعمال الجوانحية بل في الأعمال الجوارحية أيضا كذلك.
مع، انه إذا كان الاستصحاب حجة في كلتا الشريعتين يعتمد عليه للعلم بحجيته حينئذ، بل يمكن ان يقال ان حجيته في الشريعة اللاحقة تكفى إذ لو كان الثابت هو الشريعة السابقة فهو، ولو كان هي اللاحقة، فمقتضى حجية الاستصحاب البناء على بقاء الأولى فتأمل.
الجهة الثانية: في استصحاب النبوة، والكلام فيها، تارة في أنه هل يتصور الشك في بقائها أم لا؟ وأخرى في أنه ما ذا يترتب على استصحابها، وثالثة في جريانه.
اما من الناحية الأولى: فالحق ان النبوة ان كانت من الصفات الواقعية، ومرتبة عالية من الكمالات النفسانية، وهي صيرورة نفس النبي (ص) بحيث تتلقى الاحكام الدينية، والمعارف الإلهية، من المبدأ الأعلى بلا توسط بشر فلا يتصور الشك في بقائها، إذ الموت لو لم يوجب قوة هذه الملكة الراسخة لا يوجب ضعفها، ومجيئ نبي آخر، ولو كان أكمل لا يوجب زوالها، إذ كمال شخص، لا يوجب زوال كمال الآخر، واما انحطاط نفسه المقدسة عن هذه الدرجة، فبما ان هذه الملكة لها درجة المعرفة الشهودية فلا يعقل زوالها.
وان كانت من الأمور الاعتبارية المجعولة، يتصور الشك في بقائها كما لا يخفى.
واما من الناحية الثانية: فعلى فرض الشك في النبوة لا يترتب على استصحابها وجوب التصديق بما جاء به، لأنه من آثار نبوته السابقة لا الفعلية، ولا بقاء احكام شريعته الشرعية، لما تقدم من جريان الاستصحاب فيها حتى بناءا على نسخ الشريعة، مع أنه لو سلم ان معنى نسخ الشريعة نسخ جميع أحكامها لا يترتب هذا الأثر على استصحابها، لان بقائها ليس من آثار بقاء نبوته بل من آثار عدم مجيئ نبي آخر بشريعة أخرى، بل اثره وجوب الاعتقاد بنبوته، وعليه فان كان المعتبر هو الاعتقاد بها يجرى الاستصحاب،