مقتضى هذا الجمع، هو حمل الطائفة الأولى على القياس الصحيح.
فإذا شككنا في حجية القياس الظني، فهل نتمكن من إثباته بأحد الاجماعين؟ وهل ذلك إلا من قبيل إثبات القضية لموضوعها، وهو مما تأباه جميع القضايا الحقيقية كما سبق ذكره أكثر من مرة.
4 - ومع تسليم حجية هذا النوع من الاجماع والتغاضي عن كل ما أورد عليه، إلا أن ما قام عليه الاجماع هو نفس القياس لا مسالكه المظنونة، إذ ليس في هذه الفتاوي ما يشير إلى الاخذ بمسلك من هذه المسالك موضع الخلاف ليصلح للتمسك به على إثباته، والاجماع - كما هو التحقيق فيه - من الأدلة اللبية التي يقتصر فيها على القدر المتيقن، إذ لا إطلاق أو عموم لها ليصح التمسك به - لو أمكن - والقدر المتيقن هو خصوص ما كان معلوم العلة منه فلا يصح التجاوز عنه إلى غيره.
وهذه المناقشات إنما تحسن وتكون ذات جدوى إذا صح صدور هذه الروايات على اختلافها - في النفي والاثبات - من قبل أصحابها بهذه الألفاظ: (الرأي، القياس) وبما لها من مداليل ومسالك وفق ما حددوها بعد أكثر من قرن.
ولقد أنكر كل من الأستاذ سخاو، والدكتور جولد تسيهر، أن يكون القياس بمفهومه المحدد لدى المتأخرين كان مستعملا لدى الصحابة (1)، ورد عليهما الدكتور محمد يوسف موسى بقوله: (حقا ان الرأي في هذه الفترة من فترات تأريخ الفقه الاسلامي، ليس هو القياس الذي عرف فيما بعد في عصر الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، ولكن الرأي الذي استعمله بعض الصحابة لا يبعد كثيرا عن هذا القياس إن لم يكنه، وان كانوا لم يؤثر عنهم في العلة ومسالكها، وسائر البحوث التي لا بد