ومن هنا قالوا باستحالة تقييد الاحكام بخصوص العالمين بها وما يقال عن العلم يقال عن الظن، لان الظن يستدعي افتراض مظنون سابق في الرتبة عليه، فإذا افترض ان الحكم لا حق له كما أفترضه الغزالي - حين قال: (ليس في الواقعة التي لا نص فيها حكم معين يطلب بالظن بالحكم يتبع الظن، وحكم الله تعالى على كل مجتهد ما غلب على ظنه) - لزم الدور بنفس التقريب السابق.
كما تتضح أوجه المفارقة بقوله: (أما المسائل التي لا نص فيها فيعلم أنه لا حكم فيها، لان حكم الله خطابه) وذلك لان مرحلة الخطاب ليست هي مرحلة الجعل، وإنما هي مرحلة إبراز للمجعول.
والحقيقة ان دعوى أن أحكام الله تابعة لظنون المجتهدين، دعوى لا يمكن تقبلها بحال إذا أريد منها ظاهرها - وحسبها - بالإضافة إلى ما قدمناه - نسبة تبني كل ما يقع فيه المجتهدون من تناقضات في الاحكام إلى الله عز وجل، واعتبارها أحكاما مجعولة من قبله، على ما في الكثير منها من البعد عن المصالح أو المفاسد الواقعية التي تخطئها ظنون المجتهدين في الكثير من الوقائع عادة.
التصويب المعتزلي ومناقشته:
وهو الذي نسب إليهم في المصدر السابق (1) كما نسب إلى الشافعي في المستصفى حيث يقول: (أما المصوبة فقد اختلفوا فيه فذهب بعضهم إلى إثباته، واليه تشير نصوص الشافعي رحمه الله، لأنه لا بد للطالب من مطلوب، وربما عبروا عنه بأن مطلوب المجتهد الأشبه عند الله تعالى