وبين الحكومة واضح، فالحكومة وإن كان لسان بعضها لسان نفي الموضوع، إلا أن نفيها له نفي تعبدي لا وجداني، فقول الشارع: لا ضرر ولا ضرار وان كان فيه نفي للموضوع تعبدا، إلا أن نفيه التعبدي لم يؤثر على بقائه الوجداني، فالضرر الخارجي قائم وإن نفاه الشارع لنفي آثاره الشرعية بخلاف الورود، فإن قيام المؤمن الشرعي ينفي احتمال الضرر وجدانا، ولعل لنا تفصيلا أوسع في كيفية الجمع بين الأدلة على اختلافها يأتي في مبحث الاستحسان. وفي حدود ما عرضناه هنا كفاية لايضاح وجهة نظرنا في منهجة البحث وبيان السر في تقديم هذه البحوث بعضها على بعض.
(3) وإذا تم هذا، عدنا إلى أدلة اعتبار هذه المراحل التي لا بد وان يتوفر عليها المجتهد لنرى أن أدلة الطرق والامارات بعد ما كان لسانها لسان كشف عن الواقع واثبات له، وان الشارع أمضى طريقيتها كما سبق، فمع قيامها لا مجال للرجوع إلى أدلة الواقع التنزيلي كالاستصحاب، فالاستصحاب مثلا، لا يريد منك أكثر من اعتبار مشكوكك متيقنا، ومع فرض كونك متيقنا - ولو بواسطة التعبد الشرعي - لا شك لديك - تعبدا - لتحكم باعتبارك متيقنا، فأدلة الطرق والامارات حاكمة على أدلة الاستصحاب ومزيلة لموضوعه.
وأدلة الاستصحاب هي الأخرى لا تبقي مجالا لالتماس الوظيفة الشرعية، لان الوظيفة الشرعية إنما يلجأ إليها، إذا اختفى الواقع بجميع مراتبه،