أيدي السقائين، من غير تقدير لزمان المكث وتقدير الماء والأجرة.
ولكن هذا الاجماع - لو صح وجود مثله - فهو قائم على هذه الأحكام بالخصوص لا على استحسانها، فضلا عن قيامها على كل استحسان ولا أقل من اقتصاره على هذه الموارد بحكم كونه من الأدلة اللبية التي يقتصر فيها على القدر المتيقن.
والظاهر أن مثل هذا الاجماع لا أساس له، وإنما قامت السيرة على هذه الأحكام، وهي مستمرة على (جريان ذلك إلى زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ومع علمه به وتقريره لهم عليه (1)).
والذي أتصوره أن أصلا هذه، حججه وأدلته، لا يستحق ان يعطى له أهمية كالتي أعطاها له مالك حين قال: (الاستحسان تسعة أعشار العلم) اللهم إلا أن يريد به معناه السليم من تقديم دليل على دليل.
نفاة الاستحسان وأدلتهم:
أما نفاة الاستحسان فأظهرهم الشافعي، وقد علل وجهة نظره بقوله:
(أفرأيت إذا قال المفتي في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس، وقال استحسن فلا بد أن يزعم أن جائزا لغيره ان يستحسن خلافه فيقول كل: حاكم في بلد ومفت بما يستحسن، فيقال في الشئ الواحد: بضروب من الحكم والفتيا، فإن كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاؤوا، وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه (2)).
ومثل هذا الكلام غريب على الفن لانتهائه - لو تم - إلى حضر الاجتهاد مطلقا، مهما كانت مصادره، لان الاختلاف واقع في الاستنباط