والظاهر أن منشأ اطلاق كلمة الحجة على القياس عند المناطقة وعلى الطرق الشرعية والامارات عند الأصوليين هو كونهما من صغريات ما يصح الاحتجاج به عقلا وقد ضيقوها تبعا لحاجتهم في الاصطلاح. فالحجية اللغوية اذن أوسع نطاقا منها عند المناطقة والأصوليين لصدقها - بحكم ما يتبادر منها على كل ما يصح الاحتجاج به علما كان أو امارة أو أصلا - شريطة أن تتوفر فيه جنبة اعتراف الشارع به وتبنيه من قبله - باعتباره مشرعا أو سيدا للعقلاء -.
وإننا إذ نستعمل كلمة الحجة فيما يأتي من بحوث فإنما نريد بها معناها اللغوي بما له من السعة لأنه هو الذي يتصل بصميم بحوثنا القادمة ما لم ننص على تقييدها بأحد المصطلحات وبهذا ستكون كلمة الحجة شاملة للعلم والامارة وغيرهما مما يصح الاحتجاج به.
(3) وإطلاق كلمة الحجة على العلم يختلف عن اطلاقها على الامارة لان اطلاقها على الأول لا يحتاج إلى توسط شئ واطلاقها على الثاني يحتاج إلى توسط جعل من شارع أو عقل وبهذا صح تقسيمها إلى قسمين ذاتية، ومجعولة.
أ - الحجة الذاتية:
وهي التي لا تحتاج إلى جعل جاعل وتختص بخصوص (القطع) لأنها من اللوازم العقلية له التي يستحيل تخلفها عنه. وتتضح هذه الملازمة إذا علمنا أن (القطع) ليس هو إلا كشفا للواقع وطريقا له وطريقيته من