أما الأصل فلا يزيد على كونه مجعولا كوظيفة عند اختفاء الواقع بجميع مراحله، فهو لا يزيد على طلب الجري والسلوك العملي وفق مؤداه.
حكومة الامارة على الاستصحاب:
وإذا صح هذا فقد وضح السر في تقديم الامارة على الاستصحاب، إذ مع قيام الامارة وانكشاف الواقع بها تعبدا لا موضع للشك ليطلب إليك اعتباره متيقنا، لان قيامها مزيل - في رأي الشارع - للشك وإن بقي وجدانا، ومع فرض ان الشارع لا يراك شاكا، فأي معنى لان يقول لك: اعتبر شكك يقينا؟
حكومة الاستصحاب على الأصل:
وبهذا أيضا يتبين السر في تقديم الاستصحاب على غيره من الأصول غير الاحرازية، إذ الأصول غير الاحرازية إنما جعلت عند اختفاء الواقع عن المكلف وعدم العلم به، وما دام المكلف مأمورا باعتبار الشك يقينا، فهو عالم بالواقع في رأي الشارع تعبدا لاعتباره الشك علما في هذا الحال، وإعطائه نتائج العلم من حيث ترتيب جميع آثار الواقع عليه.
ومع فرض حصول الواقع التنزيلي لديه فلا اختفاء للواقع ليلجأ إلى الوظيفة، فهو مزيل لموضوعها الذي أخذ فيه عدم العلم بالواقع لحصول العلم به تعبدا كما هو الفرض.
وقد سبق منا حديث في بحوث التمهيد، يبرر وضع الاستصحاب في المرحلة التالية للأصول الكاشفة عن الحكم الواقعي، والمرحلة السابقة على الأصول غير الاحرازية.