وإذا شككنا في كون الحرمة نفسية أو غيرية، فمقتضى إطلاقها انها نفسية، لان الحرمة الغيرية مما تحتاج إلى بيان زائد، ومع عدمه وهو في مقام البيان فالظاهر العدم.
على أنا لا نمنع أن يتخذ الشارع احتياطات لبعض ملاكات أحكامه التي يحرص أن لا يفوتها المكلف بحال، فيأمر أو ينهي عن بعض ما يفضي إليها تحقيقا لهذا الغرض، إلا أن ذلك لا يتخذ طابع القاعدة العامة، ولعل الكثير من الأمثلة التي ذكرها منصبة على هذا النوع.
ويكفينا أن لا يكون في هذه الأمثلة من التعليلات ما يصلح لان يتمسك بعمومه أو إطلاقه لتحريم جميع المقدمات التي تقع في طريق المحرمات، مهما كان نوعها، وليس علينا إلا أن نتقيد بخصوص هذه المواقع التي ثبت لها التحريم.
أدلتها من العقل:
وعمدة ما استدل به على التوافق في الحكم بين المقدمة وذيها، ما أشار إليه ابن القيم وغيره من دعوى الملازمة، بين حكم الشارع بوجوب أو حرمة شئ، ووجوب أو حرمة وسائله وذرائعه (فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه، فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه، لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى، وعلمه يأبى ذلك كل الاباء (1)).
والظاهر أن هذه الدعوى لا مأخذ لها لان الأحكام الواقعية إنما هي وليدة مصالح أو مفاسد في متعلقاتها، وإذا كان في الشئ مفسدة توجب