المعلوم لنا قد ارتفع يقينا، وما هو محتمل للبقاء لم يكن معلوما لنا، فلا يكون الشك متعلقا ببقاء ما تعلق به اليقين فلا يجري فيه الاستصحاب).
(وبما ذكرناه من البيان ظهر الفرق بين القسم الثاني والقسم الثالث، فإن اليقين في القسم الثالث، قد تعلق بوجود الكلي المتخصص بخصوصية معينة، وقد ارتفع هذا الوجود يقينا وما هو محتمل للبقاء، فهو وجود الكلي المتخصص بخصوصية أخرى الذي لم يكن لنا علم به فيختلف متعلق اليقين والشك، وهذا بخلاف القسم الثاني، فان المعلوم فيه هو وجود الكلي المردد بين الخصوصيتين فيحتمل بقاء هذا الوجود بعينه، فيكون متعلق اليقين والشك واحدا، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه (1)).
وهناك مسائل أخرى يتضح الحديث فيها مما فرعوه على الاستصحاب من القواعد، يقول خلاف: (وعلى الاستصحاب بنيت المبادئ الشرعية الكلية الآتية:
أ - الأصل في الأشياء الإباحة (2):
وهذا الكلام ان أريد به ظاهره من أن الأشياء قبل ورود الشرع بها محكومة بالإباحة كما هو ظاهر مذهب جماعة من المعتزلة فيما حكاه الغزالي عنهم (3)، فهو أجنبي عن الاستصحاب لان كلام هؤلاء ناظر فيما يبدو إلى أن الإباحة حكم واقعي لها قبل جعل الاحكام، والاستصحاب حكم ظاهري مجعول عند الشك، على أن المبنى في نفسه غير سليم، وقد ناقشه الغزالي بقوله: (المباح يستدعي مبيحا كما يستدعي العلم والذكر ذاكرا وعالما، والمبيح هو الله تعالى إذا خير بين الفعل والترك بخطابه، فإذا لم يكن خطاب لم يكن تخيير فلم تكن إباحة (4)).