دينكم بالقياس، أحللتم كثيرا مما حرم الله، وحرمتم كثيرا مما حلل الله (1))، وقول ابن عباس (إياكم والمقاييس، فإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس (2))، إلى عشرات من أمثالها من الروايات، وهي معروضة في كتاب اعلام الموقعين، وكتاب إبطال القياس، وغيرهما من الكتب التي عنيت بالإفاضة في أمثال هذه المواضيع.
وسكوت الصحابة بنفس تقريبهم السابق يكون إجماعا على إبطاله.
وقد حاول غير واحد من مثبتي القياس ان يوفقوا بين هذه المضامين وسابقاتها بحمل هذا النوع من الروايات النافية (على ما كان من ذلك صادرا عن الجهال، ومن ليس له رتبة الاجتهاد، وما كان مخالفا للنص، وما كان ليس له أصل يشهد بالاعتبار، وما كان على خلاف القواعد الشرعية، وما استعمل من ذلك فيما تعبدنا فيه بالعلم دون الظن جمعا بين النقلين (3)).
وهذه الجموع كلها جموع تبرعية، لا تعتمد على ظهور عرفي يقتضيها، وكل جمع لا يقتضيه الظاهر لا يسوغ الرجوع إليه، وإلا لما تعذر جمع بين أمرين مختلفين، فإذا ورد - مثلا - حديث يأمر بوجوب الصلاة وآخر يحرمها، فإن لنا ان نجمع بينهما - على هذا المبنى - بحمل الامر على خصوص الصلاة في الليل، والدليل المحرم على خصوص الصلاة في النهار، أو حمل إحداهما على صلاة الشاب، والأخرى على صلاة الشيخ، وهكذا...
والحق أن الجمع بين الأدلة - إذا لم يكن له ظاهر من نفس الأدلة أو ما يحيط بها من أجواء وملابسات - لا يسوغ الركون إليه.