منها، إلا نادرا، ولا خصوصية للاستحسان في ذلك.
وإذن فمتى جاز لحاكم أن يجتهد، فقد أجاز لغيره أن يجتهد، وعندها ينتهي الامر إلى ضروب من الاحكام والفتاوى المختلفة، ولازم ذلك أن نمنع الاجتهاد بجميع مصادره، وهو مما لا يمكن أن يلتزم به مثله، بالإضافة إلى وروده عليه نقضا في اجتهاده بمنع الاستحسان مثلا إذ يقال له: إذا أجزت لنفسك الاجتهاد في منعه، فقد أجزت لغيرك أن يجتهد في تجويزه، فيلزم الاختلاف في الشئ الواحد بضروب من الحكم والفتيا والظاهر أن مراده هو الردع عن خصوص القسم الرابع من الأقسام التي ذكرناها، كما تومئ إليه بقية أقواله، مما لا تخضع لضوابط من شأنها أن تقلل من وقوع الاختلاف وتفسح المجال أمام المتطفلين على منصب الافتاء ليرسلوا كلماتهم بسهولة استنادا إلى ما يدعونه لأنفسهم من انقداحات نفسية وأدلة لا يقدرون على التعبير عنها مما يسبب إشاعة الفوضى في عوالم الفقه والتشريع.
ولكن هذا النوع من الاستدلال أقرب إلى النهج الخطابي منه إلى الروح العلمية، فالأنسب ان يدفع هذا القسم بعدم قيام الدليل على حجيته لان ما ذكروه من الأدلة لا يصلح - على الأقل - لاثبات ذلك على الخصوص، ويكفي شكنا في الحجية للقطع بعدمها.
والخلاصة: إن كان المراد بالاستحسان، هو خصوص الاخذ بأقوى الدليلين فهو حسن ولا مانع من الاخذ به، إلا أن عده أصلا في مقابل الكتاب والسنة ودليل العقل لا وجه له (وان كان - كما يقول ابن القفال - ما يقع في الوهم من استقباح الشئ واستحسانه من غير حجة دلت عليه من أصل ونظير فهو محظور والقول به غير سائغ (1)).