الشرائع المتداولة ليست هي الشرائع بكامل خصوصياتها لتناقض مضامين كل شريعة على نفسها، وانتشار السخف في قسم من محتوياتها، وابتعاد أكثرها عن كونها نظاما للحياة، وهو الأساس لكل رسالة سماوية مما يدل إجمالا على طرو التحريف عليها.
والعلم الاجمالي بالتحريف يمنع من الاخذ بظواهرها جميعا، لان كل طرف نمسكه نحتمل طرو التحريف عليه، وأصالة عدم التحريف لا تنفع في هذا المجال لعدم جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي المنجز كما يأتي تقريبه في مباحث الاحتياط، أو لتساقطها، وليس هذا العلم ما يحله لدينا لنرجع إليه.
نعم، إذا تم ذلك الاستدلال - أعني استدلال المثبتين - وتمت مناقشتنا له، فإن رأي جمهور الحنفية السابق، يكون من أمتن الآراء وأقواها، لان ما حكي من الشرائع في الكتاب العزيز لا يحتمل فيه التحريف فهو صحيح النسبة لها، وإذا تمت حجيتها - بالاقرار من قبل شريعتنا لأصل الشرائع - فقد تم حجية ما صح عنها، وعلينا اتباعه على كل حال.
أدلة النفاة:
وأهم ما استدل به نفاة حجية الشرائع السابقة ثلاثة أدلة:
أولها: حديث معاذ الساب وهو: (أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: بم تحكم؟ قال بالكتاب والسنة والاجتهاد، ولم يذكر التوراة والإنجيل، وشرع من قبلنا، فزكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصوبه، ولو كان ذلك من مدارك الاحكام لما جاز العدول إلى الاجتهاد إلا بعد العجز عنه (1)).