حجية جواز التقليد:
وحجية جواز التقليد تكاد تكون بديهيتها، كما أشرنا إليها، إما لكونها فطرية جبلية، كما يعبر صاحب الكفاية (1)، أو لان بناء العقلاء قائم عليها، بل لا يمكن ان يستقيم نظام بدونها ككل، لان وجودها ضرورة لازمة لطبيعة المجتمعات، وإلا - فما أظن - ان مجتمعا من المجتمعات، مهما كانت قيمته الحضارية، يستطيع ان ينهض أفراده بالاستقلال بالمعرفة التفصيلية لكل ما يتصل بحياتهم دون أن يكون فيهم علماء وجهال - ليرجع جهالهم إلى علمائهم - على نحو يكون كل منهم - مثلا - عالما بالطب والهندسة وأصول الحرف والصناعات، ومستوعبا لجميع أنواع الثقافات بحيث يستغني عن أخذ أي شئ منها.
وحتى الأمم البدائية لا يمكن ان تتخلى عن هذه الظاهرة نسبيا.
والحقيقة ان تسميتها ظاهرة اجتماعية عامة أولى من تسميتها بالبناء العقلائي، لأنها قائمة على كل حال، وجد تبان من العقلاء أو لم يوجد.
والذي نعلمه ونؤمن به ان مجتمع النبي (صلى الله عليه وآله) ما كان بدعا من المجتمعات لينفرد أفراده بالاستقلال بالمعرفة التفصيلية لمختلف ما يحتاجون التعرف إليه من شؤون دينهم ودنياهم، بحيث كانوا لا يتفاوتون من حيث العلم والجهل ليرجع جهالهم إلى علمائهم، وفيهم من كان يشغله الصفق في الأسواق عن تتبع المعرفة من منابعها.
وإذا كانت هذه الظاهرة موجودة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وهي موجودة حتما - فهي ممضاة من قبله بإقرارهم عليها، ولو كان هناك تشريع على خلافها لاثر من طريق التواتر - عادة - وهو ما لم ينقل حتى من طريق الآحاد.