والحقيقة، ان المناقشة في حجية السنة أو انكارها مناقشة في الضروريات الدينية وإنكار لها، وليس لنا مع منكر الضروري من الدين حساب، لأنه خارج عن طبيعة رسالتنا بحكم خروجه عن الاسلام، يقول الشوكاني:
(والحاصل ان ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الاحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الاسلام (1)) ويقول الخضري من المتأخرين: (وعلى الجملة فان حجية السنة من ضروريات الدين، أجمع عليها المسلمون ونطق بها القرآن (2)) وكذلك غيرهما من الأصوليين، والحقيقة اني لا أكاد أفهم معنى للاسلام بدون السنة، ومتى كانت حجيتها بهذه الدرجة من الوضوح، فإن إقامة البرهان عليها لا معنى له، لان أقصى ما يأتي به البرهان هو العلم بالحجية، وهو حاصل فعلا بدون الرجوع إليه، ولكن الاعلام من الأصوليين درجوا على ذكر أدلة على ذلك من الكتاب والسنة والاجماع والعقل، ولا بد لنا من مجاراتهم في هذا المجال ما دمنا نريد أن نؤرخ لمبانيهم وحججها من جهة، ونقيمها بعد ذلك من الجهة الأخرى.
1 - حجيتها من القرآن:
استدلوا بآيات من القرآن الكريم على اعتبار الحجية لها أمثال قوله تعالى:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول (3))، (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (4))، (وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى (5)) ودلالة هذه الآيات في الجملة من أوضح الدلالات على حجيتها، إلا أنها فيما تبدو - أضيق من المدعى لأنها لا تشمل غير القول إلا بضرب من التجوز، والمراد اثباته عموم حجيتها لمطلق السنة قولا وفعلا وتقريرا.