واعتبار هذه المسالك من المسالك الفاسدة صحيح جدا إذا أريد اعتبارها طرقا لاثبات العلة على نحو الجزم واليقين.
أما إذا اكتفي منها بإفادة الظن فإنكار ذلك لا يخلو من مصادرة، وهذه التشكيكات العقلية لا ترفع أكثر من اليقين، ولا أقل من تحول النزاع فيها إلى نزاع صغروي لا جدوى من تحريره.
والذي ينبغي ان يقال أن هذه المسالك كغيرها مما لا يفيد علما من المسالك السابقة وبخاصة الأخير منها، فإن قام عليها دليل بالخصوص كانت حجة، وإلا فلا يمكن اعتمادها في ذلك.
حجية القياس:
والحديث حول حجية القياس متشعب جدا بتشعب أقوالهم وتباينها، وطبيعة البحث تدعونا إلى أن نقف منها موقفا لا يخلو من صبر وأناة نظرا لما يعطيه البحث من ثمار في مجالات استنباط الاحكام نفيا وإيجابا، وعمدة أحاديث القياس هو هذا الحديث.
ويكفي ان يطلع الانسان على أية موسوعة أصولية ليعرف مدى التشعب والتباين في الآراء.
فالغزالي وغيره، نسبوا إلى الشيعة - بقول مطلق - وبعض المعتزلة القول باستحالة التعبد بالقياس عقلا (1)، كما نسب المقدسي ذلك إلى اهل الظاهر والنظام وقال: (وقد أومأ إليه أحمد رحمه الله، فقال: يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس، وتأوله القاضي على قياس يخالف به نصا (2)).