افتراضه انه قول بلا حجة - وكان حسبه في رده أن يقول أنه لا دليل على حجيته.
ومثل هذا التقليد - بالإضافة إلى عدم قيام الحجة عليه - قيام الأدلة القاطعة على الردع عنه، وحسبك ما صرح به الكتاب العزيز من ذمه للمقلدين الذين اعتمدوا أقوال وأعمال آبائهم كمصدر للسلوك وصدروا عن محاكاة له وتقليد، مع أن آباءهم كانوا لا يملكون من المعرفة شيئا.
(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون (1)).
ورجوع الجاهل إلى الجاهل هو عين هذا النوع من التقليد.
رأي علماء حلب والقدرية:
وإذا كان ما نسب إلى التعليمية من حضر الاجتهاد والنظر، مبعث استغراب فإن ما نسب إلى القدرية وعلماء حلب من لزوم الاجتهاد عينا وحرمة التقليد، لا يقل غرابة عن ذلك إذا حمل على ظاهره، وكأنهم أخذوا بظواهر الآيات الرادعة عن التقليد واعتبروها مصدرا لهم.
ويرد على هذا الرأي:
1 - ان الآيات منصبة على الردع عن التقليد من غير حجة، أي عن رجوع الجاهل إلى الجاهل، لا رجوع الجاهل إلى العالم، بدليل ما ورد فيها من التبكيت - أو لو كان آباءهم لا يعلمون شيئا - فكأن منشأ المفارقة الذي اقتضى كل هذا التأنيب هو رجوعهم إلى من لا يعلم، أي رجوعهم إلى الجهال والتقليد الذي نذهب إليه، هو التقليد الذي يكون عن حجة ملزمة، أي الذي يكون وليد اجتهاد في أصله وقطع بحجيته.