ولا يقاس الترجيح في تعيين الحجة الشرعية على الترجيح في الأمور العادية، فإنه في الأمور العادية يكفي أدنى مزية موافقة للغرض وميل النفس وملائمة الطبع لترجيح أحد الطرفين واختياره، وأما الأمور الشرعية: فلابد من أن يكون الترجيح بما ثبت حجيته واعتباره شرعا أو عقلا، ولا يكفي في الخروج عن الترجيح بلا مرجح مطلق المزية ما لم يقم دليل على وجوب الترجيح بها.
وإن كان المراد من الترجيح بمظنون الاعتبار، هو أن القضية المهملة المرددة بين مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه تتعين في خصوص مظنون الاعتبار (1) بترتيب مقدمات انسداد آخر، بأن يقال: إنا نعلم من مقدمات الانسداد المتقدمة أن الشارع جعل لنا حجة وطريقا إلى الأحكام المعلومة بالإجمال، وقد انسد علينا باب العلم به لتردد الطريق المجعول بين مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه، ولا يجوز لنا إهمال الطريق المجعول لأنه يلزم من إهماله إهمال الإحكام، ولا يجوز أو لا يجب الاحتياط في جميع الأطراف: من مظنون الاعتبار أو مشكوكه وموهومه، فالعقل يستقل حينئذ بتعين الأخذ بمظنون الاعتبار وترك المشكوك والموهوم، ولو فرض تردد الظن بالاعتبار أيضا بين مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه، فلا بد من إجراء مقدمات انسداد ثالث لتعيين النتيجة وانتهاء الأمر إلى اعتبار ظن واحد أو ظنون متعددة، فيؤخذ بالجميع، فيكون الترجيح بمظنون الاعتبار لقيام دليل قطعي على الترجيح به،