نعم: لو كان مراده ما هو ظاهر كلامه: من اختراع الشارع وتأسيسه طرقا مخصوصة، كان للمنع عن ذلك مجال واسع، بل كان ينبغي القطع بعدمه، لأن عدم نقلها كاشف قطعي على العدم.
إلا أن الإنصاف: أن كلام " صاحب الفصول " ليس بمثابة لا يمكن حمله على ما ذكرنا، فلا يرد عليه ما ذكره (قدس سره) بقوله: " وفيه أولا ".
وكذا لا يرد عليه ما ذكره بقوله: " وثانيا: سلمنا نصب الطريق، لكن بقاء ذلك الطريق لنا غير معلوم، بيان ذلك: أن ما حكم بطريقيته لعله قسم من الأخبار ليس منه بأيدينا اليوم إلا قليل، كأن يكون الطريق المنصوب هو الخبر المفيد للاطمئنان الفعلي بالصدور الذي كان كثيرا في الزمان السابق الخ " فان المدعى هو أن الشارع قد نصب طريقا وافيا بالأحكام على وجه يوجب انحلال العلم الإجمالي بها، والخبر المفيد للاطمئنان ليس بتلك المثابة من الكثرة بحيث يفي بالأحكام الشرعية حتى في الزمان السابق التي كانت قرائن الصدق فيه كثيرة، فان كثرة قرائن الصدق لا تقتضي كثرة الخبر الذي عليه قرائن الصدق على وجه يوجب الاطمئنان بحيث يفي بالأحكام المعلومة بالإجمال لينحل به العلم الإجمالي، فلا بد من أن يكون الطريق المنصوب غير الخبر المفيد للاطمئنان وقد انسد باب العلم به علينا.
ومن ذلك يظهر: ما في قوله: " وثالثا: سلمنا نصب الطريق ووجوده في جملة ما بأيدينا من الطرق الظنية: من أقسام الخبر والإجماع المنقول والشهرة وظهور الإجماع والاستقراء والأولوية الظنية، إلا أن اللازم من ذلك هو الأخذ بما هو المتيقن من هذه، فان وفى بغالب الأحكام اقتصر عليه وإلا فالمتيقن من الباقي الخ " إذ فيه: أن ما هو المتيقن في النصب من هذه الطرق هو ما ذكره بقوله: " وثانيا " وهو الخبر المفيد للاطمئنان، وقد عرفت: أنه قليل لا يفي بالأحكام الشرعية، والطرق الاخر ليس فيها ما هو متيقن الاعتبار، بل احتمال النصب في كل واحد منها على حد سواء. ودعوى: أن مطلق الخبر أو الإجماع