فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ٢٧٩
الامتثال الظني، والمفروض عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات، فكيف صارت النتيجة الحكومة؟.
وثالثا: المقصود من ترتيب مقدمات دليل الانسداد إنما هو لاستنتاج حجية الظن المطلق على وجه يصلح لتخصيص العمومات وتقييد المطلقات وغير ذلك مما يكون من لوازم الحجة (1) وهذه الآثار إنما تترتب على الكشف، لأن الظن يكون حينئذ حجة محرزا للواقع كالعلم. وأما الظن بمعنى الحكومة: فهو بمعزل عن هذه الآثار، لأنه ليس محرزا للواقع حتى يصلح للتقييد والتخصيص، وإنما يستقل العقل به في مقام الطاعة والامتثال عند تعذر الامتثال العلمي.
وما في بعض الكلمات: من أن الظن بناء على الحكومة يكون حجة عقلية، فهو بمكان من الفساد، فان الحكومة عبارة عن الامتثال الظني، وأين هذا من كونه حجية محرزا يقع وسطا لإثبات متعلقه؟ وليس من وظيفة العقل جعل الظن حجة، بل ذلك من وظيفة الشارع، وليست وظيفة العقل إلا الحكم بكفاية الامتثال الظني عند تعذر الامتثال العلمي.
فتحصل: أنه لا محيص عن القول بالكشف إن تم الإجماع المتقدم بأحد وجهيه (2) وإلا فلابد من التبعيض في الاحتياط، فتأمل في أطراف ما

(1) أقول: قد تقدم الجواب على هذه الشبهة، فراجع.
(2) أقول: لو تأملت في ما ذكرنا، ترى بأنه لا محيص لك بناء على انتهاء النوبة إلى مثبتية الظن في حال الانسداد من الالتزام بحكومة العقل، حيث لا طريق لك إلى الكشف إلا دعوى الإجماع المزبور الذي لم يلتزم به أحد من أرباب الانسداد القائلين بالحكومة - كما هو الغالب - خصوصا تقريبه الثاني الذي هو لدى مدعيه ظني لا قطعي.
نعم: لنا شبهة على مسلك المشهور المعينين المرجعية بالظن من جهة المقدمة الرابعة، وملخصه، أن هذا التعيين بحكم العقل إن كان بحكم تنجيزي، فيشكل إخراج الظن القياسي، خصوصا إذا فرض في مورد أقوى من غيره.
وتوهم: أن الظن القياسي لكثرة مخالفته للواقع خارج عن محط حكم العقل بمناط الأقربية، خلاف الوجدان، وفي ظرف أقربيته عن غيره يرى العقل شخص هذا الفرد من الظن من الأفراد النادرة ويرى فيه الملاك من الأقربية.
وإن كان حكم العقل بتعيين الأقرب بمقتضى المقدمة الرابعة حكما تعليقيا، فخروج الظن القياسي لا إشكال فيه، ولكن يرد عليه: بأن مقتضى إطلاق دليل الترخيص في ترك الاحتياط الكلى - مثل عمومات الحرج والاضطرار مثلا - جواز ترك العمل بكل واحد من المحتملات عن بدل، من دون فرق بين الظن وغيره، وهذا الإطلاق يكفي لمنع حكم العقل بتعين الظن بمقتضى المقدمة الرابعة، لفرض تعليقية حكمه، وحينئذ من أين يتعين العمل بالظن بواسطة المقدمة الرابعة؟
نعم: لو لم يكن في البين إطلاق مثل ما تقدم وكان الحكم بالتخيير عند التساوي من جهة حكم العقل بالترجيح بلا مرجح لا من جهة إطلاق في دليل كان للاتكال إلى المقدمة الرابعة في تعيين الظن مجال، ولكن مع وجود إطلاقات أدلة الحرج والاضطرار لا يبقى مجال لهذا الكلام، وحينئذ فلو سلمنا ما ادعى من الإجماع المزبور من المقرر لا يكاد وصول النوبة إلى مرجعية الظن.
ولذا كان لنا مسلك آخر في تعيين مرجعية الظن، بحيث لا يحتاج إلى المقدمة الرابعة، وهو أن مدرك بطلان الخروج من الدين - ولو لم يكن علم إجمالي في البين - حكم العقل بوجوب الأخذ باحتمال تكليف نقطع على فرض وجوده اهتمام الشارع به بنحو لا يرضى بتركه في ظرف الجهل، وأن مثل هذا الشك خارج عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، إذ حينئذ لنا أن ندعي أن مراتب الاهتمام بعد ما كانت مختلفة فالمتيقن من الاهتمام المحرز هو الاهتمام بحفظ الواقع في ضمن المظنونات دون المشكوكات والموهومات، فهي على الشك في أصل الاهتمام بحفظها باقية، ولذلك يختص حكم العقل بمناط الاهتمام بحفظه بالمظنونات، وبذلك يبطل الاحتياط الكلى ويتعين مرجعية الظن بلا احتياج إلى المقدمة الرابعة، فتدبر في مسلكنا هذا وتتميم الانسداد و مرجعية الظن بالحكومة العقلية بهذا البيان، لا بنحو المشهور من الاحتياج إلى المقدمة الرابعة. وعلى مسلكنا أيضا لا يبقى مجال الإشكال، لخروج الظن القياسي ولا الظن الممنوع، فتدبر.
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»
الفهرست