فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ٢٧٣
إمكان اكتفاء الشارع بما هو طريقة العقلاء: من العمل بالظن في التكاليف الصادرة من الموالى العرفية مع القطع بعدم نصب المولى طريقا إليها، ولا يجب عقلا على المولى نصب الطريق عند انسداد باب العلم بالتكاليف على العبد، بل يصح له إحالة العبد إلى ما يستقل العقل به من العمل بالظن. نعم: يجب على المولى الرضاء بما يستقل به العقل، وليس له مؤاخذة العبد على العمل بالطريق العقلي، هذا.
ولا يخفى ما فيه، فان الحكم العقلي إنما يقع في سلسلة الإطاعة، والعقل يستقل أولا بالإطاعة العلمية تفصيلا مع الإمكان، أو إجمالا بالاحتياط مع عدم الإمكان: أو مطلقا - على التفصيل المتقدم في باب العلم الإجمالي - فإذا تعذرت الإطاعة العلمية تفصيلا وإجمالا يستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية والخروج عن عهدة التكاليف ظنا (1) فلابد أولا من إبطال الاحتياط

(1) أقول: مرجع حجية الظن في مقام الإثبات - كما هو مقصود القائل بالحكومة في باب الانسداد - ليس إلا منجزية. الظن للأحكام، وهذا المعنى منوط بعدم وجود منجز آخر: من علم أو علمي تفصيلي أو إجمالي، وإلا فلا ينتهى النوبة إلى منجزية الظن به، وحينئذ الذي ينوط به حجية الظن هو عدم وجود مثبت آخر، لا عدم لزوم تحصيل العلم في مقام الإسقاط والفراغ، كيف! والقائل بحجية الظن من باب الحكومة همه تحصيل الجزم بالفراغ عما اشتغلت الذمة به بالعمل بظنه، وحينئذ ليس معنى إناطة حجية الظن عقلا على بطلان الاحتياط بمعنى تحصيل الجزم بالفراغ بأي وجه، بل منوط بعدم وجوب الاحتياط من قبل منجز آخر: من علم إجمالي أو ايجاب احتياط شرعي مثلا، وعدم هذا الوجوب غير منوط بالإجماع المزبور بكلا تقريريه، بل يكفي فيه منع منجزية العلم الإجمالي ومنع ايجاب الاحتياط الشرعي، ويكفي في الأول نفس قيام الإجماع والضرورة على بطلان الخروج من الدين ولو فرض لم يكن في البين علم إجمالي، إذ مثل هذا الإجماع التقديري يكفي في الجزم بوجود منجز آخر غير العلم الإجمالي وهو كاف في انحلاله، كما أن منع الإيجاب الشرعي أيضا يكفي فيه أنه لو لم يكن من قبل الشارع جعل حكم شرعي طريقي العقل يحكم حكما بتيا بلزوم تعرض الأحكام، ومع هذا الحكم العقلي لا يبقى مجال للكشف غير الجعل الشرعي، لاحتمال ايكاله إلى حكم العقل، وببقية المقدمات يثبت دائرة هذا الحكم في الظن، فيحكم العقل بمثبتية الظن وحجيته حكومة لا كشفا.
نعم: لو لم يحكم العقل بشئ أصلا لا محيص عن كشف الجعل، ولو بمثل ايجاب الاحتياط شرعا، ولو في دائرة الظنون بضم بقية المقدمات، ولكن منع حكم العقل لولا الجعل الشرعي خارج عن الإنصاف، كما أشرنا إليه سابقا، كما أن دعوى الإجماع المزبور بكل من تقريريه - المستلزم لعدم إمكان تحصيل الجزم بالفراغ بنحو آخر - أول شئ ينكر، كما أشرنا كرارا.
وبعبارة أخرى: لا وجه لبطلان الاحتياط - بمعنى لزوم تحصيل الجزم بالفراغ - مقدمة لحجية الظن كي يلازم مع الإجماع المزبور بأحد تقريريه، بل غاية ما هو مقدمة لحجية الظن هو بطلان الاحتياط من قبل منجز آخر: من علم إجمالي أو ايجاب احتياط شرعي، ولا أظن في معقد الإجماع في كلماتهم أزيد من ذلك، كما لا يخفى.
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست