الموضوع من الواقع والإحراز ليس على حد الموضوع المركب من الأجزاء العرضية كالصلاة، فان الأجزاء العرضية تحتاج إلى أن تكون كل منها محرزة بالوجدان، أو بالتعبد، أو بعضها بالوجدان وبعضها بالتعبد، ولا يكون إحراز أحد الأجزاء إحرازا للآخر أو التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر، بل يحتاج كل منها إلى تعبد مستقل أو إحراز مستقل، وهذا بخلاف التركيب من الشئ وإحرازه، فإنه بنفس إحراز ذلك الشئ يتحقق كلا جزئي الموضوع ولا يحتاج إلى احرازين أو تعبدين، بل لا معنى لذلك، فلو فرض أن الشارع جعل الظن محرزا للواقع فبنفس جعله يتحقق كلا جزئي الموضوع، و لا يحتاج إلى جعلين حتى يقال: إنه ليس في البين جعلان والجعل الواحد لا يمكن أن يتكفل كلا الجزئين لاستلزامه الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي، حيث إن تنزيل الظن منزلة العلم باعتبار المودى يرجع في الحقيقة إلى تنزيل المظنون منزلة المعلوم، فيكون النظر إلى الظن والعلم نظرا مرآتيا، وتنزيل الظن منزلة العلم باعتبار نفسه وبما أنه جزء الموضوع يرجع في الحقيقة إلى لحاظ الظن والعلم شيئا بحيال ذاته، ويكون النظر إليهما نظرا استقلاليا ولا يمكن الجمع بين اللحاظين في جعل واحد، لا لمكان أنه ليس هناك مفهوم عام يجمعهما، كما يقال: إن الجمع بين الشيئين في استعمال واحد لا يمكن لعدم الجامع بينهما، بل لمكان عدم إمكان الجمع بين اللحاظين لتنافيهما ذاتا. وهذا الاشكال قد كان دائرا على ألسنة أهل العلم من زمن الشيخ (قده) إلى زماننا هذا، على ما حكاه شيخنا الأستاذ (مد ظله) وقد تبين أنه لا موضوع لهذا الإشكال ولا محمول، فان مبنى الإشكال هو تخيل أن المجعول في باب الطرق والأمارات و الأصول هو المؤدى وتنزيله منزلة الواقع والخلط بين الحكومة الواقعية والحكومة
(٢٢)