فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ١٨
الواقع وتنزيل شئ آخر منزلة الواقع، فان كل ذلك لم يكن، بل المجعول هو نفس الطريقية والكاشفية والمحرزية (1) التي كان القطع واجدا لها بذاته والظن يكون واجدا لها بالتعبد والجعل الشرعي، فهذا هو المجعول في باب الطرق و الأمارات.
(1) أقول لا يخفى أن نتيجة الجعل والتشريع تارة إحداث حقيقة الشئ الذي هو منشأ انتزاع مفهومه و كان بنحو يطبق العقل هذا العنوان على المجعول بنحو الحقيقة والوجدان - نظير جعل المسجدية والملكية وأمثالها، بناء على أن حقايقها أمور جعلية - وتارة ليس إحداث هذه الحقيقة بالوجدان، فلا محيص إلا ان يكون تطبيق عنوان المجعول عليه بالعناية والادعاء، لا يتصور ثالث لهذين المعنيين، لدورانه بين النفي والإثبات. وليس الغرض من تطبيق العنوان وجدانا على الشئ كون العنوان ذاتيا له، بل الغرض كون هذه الحقيقة عارضا للشئ بالجعل أو غيره من سائر الأمور الاختيارية، كجعل الجسم أبيضا أو أسودا، ففي الأمور الاعتبارية كالمسجدية والوقفية - جعلها التشريعي عين تكوينه بانشاء قولي أو بفعل خارجي، قبال ذاتي الشئ الغير القابل للجعل ولو تكوينا، ولذا " ما جعل الله المشمشة مشمشة " بل أوجد الذات الواجد لهذه الحيثية بذاته. إذا عرفت هذه المقدمة نقول:
إن الغرض من تشريع الإحراز وإلقاء احتمال الخلاف المساوق لتمامية الكشف: إن كان بنحو يحكم العقل بتطبيق هذه العناوين على المجعول بنحو الحقيقة والوجدان، ففساده أوضح من أن يخفى على أحد، وإن كان الغرض أن نتيجة التشريع تطبيق العقل هذه العناوين على المجعول بالعناية والادعاء - كجعل الحياة والممات لزيد - فهو في غاية المتانة ولا يتصور في البين الثالث، لما عرفت من دورانه بين النفي والإثبات.
وإذا كان كذلك فلا شبهة في أن ادعاء شئ لشئ يحتاج إلى النظر إلى جهة أخرى مصحح لهذا الإدعاء، فربما يكون الغرض من ادعاء العالمية احترام الناس له، ففي هذه الصورة لا يترتب عليه عمل لعلمه هذا، فلا محيص في ترتب هذا الأثر من كون النظر في هذا الإدعاء إلى لزوم عمله عليه على وفق علمه الوجداني، فبالأخرة ينتهى إلى الأمر بالمعاملة، فتشترك الأمارة مع الأصول في ذلك وفى قيامها مقام القطع في الجهة الثالثة.
نعم: الفارق بينهما هو أن الأمر بالمعاملة في الأصول مجعول بدوا، وفى الأمارة مستكشف من جعل الإحراز بدوا بانشائه أو إمضائه. وحينئذ فالغرض من قيام الظن مقام العلم إن كان هذا المقدار فلا بأس به، لكن معلوم أن هذا المقدار لا يكون ملزما للعمل لولا استكشاف الأمر بالمعاملة منه - كما أشرنا إليه - فالذي يوجب قيام الظن مقام العلم الطريقي في هذه الجهة هو الأمر بالمعاملة لا تتميم الكشف محضا، كما هو الشأن لو قلنا بتنزيل المؤدى منزلة الواقع، إذ المقصود أيضا الأمر بالمعاملة مع ما أدى إليه الظن معاملة الواقع، ومرجع هذا الأمر والعناية المزبورة أيضا إلى إبراز الإرادة الواقعية بهذا الإنشاء، كما هو الشأن في لسان تتميم الكشف، بل و مثل ايجاب الاحتياط الذي لا عناية فيه أصلا، فمبرزية هذه الخطابات عن الواقع إنما هو بهذا المعنى، لا بمعنى تتميم الكشف أو التعبد بالمؤدى الذي هو مفاد الخطاب.