أطراف علم إجمالي آخر - وهو العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في خصوص الأخبار - فقد تنجز التكليف بها بذلك العلم الإجمالي، فلا يبقى أثر للعلم الإجمالي الحاصل بينها وبين الأمارات الظنية، لأن بعض أطرافه قد تنجز التكليف به بمنجز آخر، وقد ذكرنا في محله: أنه لو تنجز التكليف بأحد أطراف العلم الإجمالي بمنجز آخر غير العلم الإجمالي فالطرف الآخر لا يجب الاجتناب عنه، لأن الشبهة فيه تكون بدوية، كما لو علم بنجاسة أحد الإنائين ثم علم بوقوع قطرة من الدم إما في أحد الإنائين وإما في الإناء الثالث، فالإناء الثالث لا يجب الاجتناب عنه وتجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض، وحال الأمارات الظنية حال الإناء الثالث.
قلت: ذلك إنما يكون إذا كان المعلوم بالإجمال في أحد العلمين متأخرا زمانا عن المعلوم بالإجمال في العلم الآخر - كما في المثال - حيث فرض أن وقوع القطرة الثانية من الدم المرددة بين كونها في أحد الإنائين أو في الإناء الثالث كان بعد نجاسة أحد الإنائين، من غير فرق بين تقارن نفس العلمين أو في سبق أحدهما الآخر يكون معلومة متأخرا (1) ولو كان السابق، فان العبرة إنما هو في تقدم المعلوم وتأخره، لا في تقدم العلم وتأخره.
وأما لو كان المعلومين بالإجمال حدثا في زمان واحد، فلا وجه لانحلال أحد العلمين بالآخر. بل تكون جميع أطراف العلمين في عرض واحد ويجب الاجتناب عن الجميع. وقد ذكرنا تفصيل ذلك في " الجزء الرابع " وما نحن فيه من القسم الثاني، لأن ثبوت الأحكام في الأخبار ليس أسبق في الزمان عن ثبوت الأحكام في الأمارات، فالأخبار والأمارات تكون في عرض واحد طرفا للعلم الإجمالي، وذلك واضح.
وثانيا: سلمنا أن الأمارات الظنية ليست من أطراف العلم الإجمالي،