فسمعه رجل من المسلمين، فأخبر رسول الله، فأرسل إليه، فجعل يحلف بالله ما قال، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والثالث: أن المنافقين كانوا إذا خلوا، سبوا رسول الله وأصحابه، وطعنوا في الدين، فنقل حذيفة إلى رسول الله بعض ذلك، فحلفوا ما قالوا شيئا، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك. فأما كلمة الكفر، فهي سبهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] وطعنهم في الدين. وفي سبب قوله [تعالى]: (وهموا بما لم ينالوا) أربعة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في ابن أبي حين قال: لئن رجعنا إلى المدينة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
والثاني: أنها نزلت فيهم حين هموا بقتل رسول الله، رواه مجاهد عن ابن عباس، قال:
والذي هم رجل يقال له: الأسود. وقال مقاتل: هم خمسة عشر رجلا، هموا بقتله ليلة العقبة.
والثالث: أنه لما قال بعض المنافقين: إن كان ما يقول محمد حقا، فنحن شر من الحمير، وقال له رجل من المؤمنين: لأنتم شر من الحمير، هم المنافق بقتله، فذلك قوله [تعالى]:
(وهموا بما لم ينالوا)، هذا قول مجاهد.
والرابع: أنهم قالوا في غزوة تبوك: إذا قدمنا المدينة، عقدنا على رأس عبد الله بن أبي تاجا نباهي به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فلم ينالوا ما هموا به.
قوله تعالى: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله) قال ابن قتيبة: أي: ليس ينقمون شيئا، ولا يتعرفون من الله إلا الصنع، ومثله قول الشاعر:
ما نقم الناس من أمية إلا * أنهم يحلمون إن غضبوا وأنهم سادة الملوك ولا * تصلح إلا عليهم العرب وكقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب أي: ليس فيهم عيب. قال ابن عباس: كانوا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من معاشهم، فلما قدم عليهم، غنموا، وصارت لهم الأموال. فعلى هذا، يكون الكلام عاما، وقال قتادة: هذا في عبد الله بن أبي. وقال عروة: هو الجلاس بن سويد، قتل له مولى، فأمر له رسول الله بديته، فاستغنى، فلما نزلت (فإن يتوبوا يك خيرا لهم) قال الجلاس: أنا أتوب إلى الله.
قوله تعالى: (وإن يتولوا) أي: يعرضوا عن الإيمان. قال ابن عباس: كما تولى عبد الله بن أبي، (يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا) بالقتل، وفي الآخرة بالنار.