عن الأصمعي أنه قال: المسكين أحسن حالا من الفقير. وقال أحمد بن عبيد: المسكين أحسن حالا من الفقير، لأن الفقير أصله في اللغة: المفقود الذي نزعت فقرة من فقر ظهره، فكأنه انقطع ظهره من شدة الفقر، فصرف عن مفقور إلى فقير، كما قيل: مجروح وجريح، ومطبوخ وطبيخ، قال الشاعر:
لما رأى لبد النسور تطايرت * رفع القوادم كالفقير الأعزل قال: ومن الحجة لهذا القول قوله [تعالى]: (وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالا، قال: وهو الصحيح عندنا.
قوله تعالى: (والعاملين عليها) وهم السعاة لجباية الصدقة، يعطون منها بقدر أجور أمثالهم، وليس ما يأخذونه بزكاة.
قوله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم) وهم قوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم على الإسلام بما يعطيهم، وكانوا ذوي شرف، وهم صنفان: مسلمون، وكافرون. فأما المسلمون، فصنفان، صنف كانت نياتهم في الإسلام ضعيفة، فتألفهم تقوية لنياتهم، كعيينة بن حصن، والأقرع، وصنف كانت نياتهم حسنة، فأعطوا تألفا لعشائرهم من المشركين، مثل عدي بن حاتم. وأما المشركون، فصنفان، صنف يقصدون المسلمين بالأذى، فتألفهم دفعا لأذاهم، مثل عامر بن الطفيل، وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام، تألفهم بالعطية ليؤمنوا، كصفوان بن أمية. وقد ذكرت عدد المؤلفة في كتاب " التلقيح ". وحكمهم باق عند أحمد في رواية، وقال أبو حنيفة، والشافعي: حكمهم منسوخ. قال الزهري: لا اعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة قلوبهم.
قوله تعالى: (وفي الرقاب) قد ذكرناه في سورة (البقرة).
قوله تعالى: (والغارمين) وهم الذين لزمهم الدين ولا يجدون القضاء. قال قتادة: هم ناس عليهم دين من غير فساد ولا إسراف ولا تبذير، وإنما قال هذا، لأنه لا يؤمن في حق المفسد إذا قضي دينه أن يعود إلى الاستدانة لذلك، ولا خلاف في جواز قضاء دينه ودفع الزكاة إليه، ولكن قتادة قاله على وجه الكراهية.
قوله تعالى: (وفي سبيل الله) يعني: الغزاة والمرابطين. ويجوز عندنا أن يعطي الأغنياء منهم والفقراء، وهو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يعطى إلا الفقير منهم. وهل يجوز أن يصرف من الزكاة إلى الحج، أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان.