آدم). وقيل: إنما قال: (من ظهورهم) ولم يقل: من ظهر آدم، لأنه أخرج بعضهم من ظهور بعض، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لأنه قد علم أنهم بنوه، وقد أخرجوا من ظهره. وقوله تعالى:
(ذرياتهم) قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي " ذريتهم " على التوحيد. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر " ذرياتهم " على الجمع. قال أبو علي: الذرية تكون جمعا، وتكون واحدا.
وفي قوله [تعالى]: (وأشهدهم على أنفسهم) ثلاثة أقوال:
أحدها: أشهدهم على أنفسهم بإقرارهم، قاله مقاتل.
والثاني: دلهم بخلقه على توحيده، قاله الزجاج.
والثالث: أنه أشهد بعضهم على بعض بإقرارهم بذلك، قاله ابن جرير.
قوله تعالى: (ألست بربكم) والمعنى: وقال لهم: ألست بربكم؟ وهذا سؤال تقرير.
قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا. قال السدي: قوله " شهدنا " خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم. ويحسن الوقف على قوله " بلى " لأن كلام الذرية قد انقطع. وزعم الكلبي أن الذرية لما قالت " بلى " قال الله تعالى للملائكة " اشهدوا " فقالوا " شهدنا ". وروى أبو العالية عن أبي بن كعب قال: جمعهم جميعا، فجعلهم أزواجا، ثم صورهم، ثم استنطقهم، ثم قال: (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) أنك إلهنا. قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) لم نعلم بهذا. وقال السدي: أجابته طائفة طائعين، وطائفة كارهين تقية.
قوله تعالى: (أن يقولوا) قرأ أبو عمرو " أن يقولوا "، " أو يقولوا " بالياء فيهما. وقرأ الباقون بالتاء فيهما. قال أبو علي: حجة أبي عمرو قوله: " وإذ أخذ ربك " وقوله [تعالى] " قالوا بلى "، وحجة من قرأ بالتاء أنه قد جرى في الكلام خطاب " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ".
ومعنى قوله: " يقولوا ": لئلا يقولوا، ومثله: (أن تميد بكم). وفي قوله [تعالى] (إنا كنا عن هذا) قولان:
أحدهما: أنه إشارة إلى الميثاق والإقرار.
والثاني: أنه إشارة إلى معرفة أنه الخالق. قال المفسرون: وهذه الآية تذكير من الله تعالى بما أخذ على جميع المكلفين من الميثاق، واحتجاج عليهم لئلا يقول الكفار: إنا كنا عن هذا الميثاق غافلين لم نذكره، ونسيانهم لا يسقط الاحتجاج بعد أن أخبر الله تعالى بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم الصادق. وإذا ثبت هذا بقول الصادق، قام في النفوس مقام الذكر، فالاحتجاج به قائم.