بين الأذان والإقامة من الحيعلتين مثنى في اذان الصبح واختلف الأصحاب في حكم التثويب بالمعنى الذي ذكرناه أولا حال الاختيار من غير تقية فقال ابن إدريس وابن حمزة وجماعة من المتأخرين بالتحريم وهو ظاهر الشيخ في النهاية وقال الشيخ في المبسوط والمرتضى في الانتصار بالكراهة وهو اختيار المحقق وعن ابن الجنيد انه لا باس في اذان الصبح بعد قولك حي على خير العمل الصلاة خير من النوم مرتين و ليستا من أصل الاذان حجة الأول ان شرعتها (شرعيتها) موقوفة على ورود النقل وثبوته عن صاحب الشرع ولم يثبت فتكون بدعة والروايات السابقة خالية عنها ولو كانت داخلة في الاذان لاشتملت عليها لاقتضاء مقام البيان ذلك واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن معوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (ع) عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة فقال ما نعرفه فغير واضح الدلالة على العموم لأن الظاهر ما كان بين الأذان والإقامة قال محمد بن الحسن كان التثويب الأول الصلاة خير من النوم من بين الأذان والإقامة ثم أحدث الناس بالكوفة حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بينهما واما ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال النداء والتثويب في الإقامة من السنة وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم ولو رددت ذلك لم يكن به باس فحملها الشيخ على التقية مستندا إلى اجماع الطائفة على ترك العمل بها قال المحقق (في المعتبر) وفي كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي من أصحابنا قال حدثني عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) أنه قال الاذان الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله وقال في آخره لا إله إلا الله مرة قال إذا كنت في اذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل وقل بعده الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولا تقل في الإقامة الصلاة خير من النوم انما هو في الاذان ثم نقل عن الشيخ في الاستبصار انه حمل ذلك على التقية وقال لست ارى هذا التأويل شيئا فان في جملة الاذان حي على خير العمل وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره لكن الأوجه ان يقال فيه روايتان عن أهل البيت (ع) أشهرها تركه وقد يجاب عنه بأنه ليس في الرواية تصريح بأنه يقول حي على خير العمل جهرا فيحتمل ان يكون المراد انه إذا (قال) قيل سرا يقول بعده الصلاة خير من النوم فحملها على التقية غير بعيد وبالجملة يمكن الجمع بين الاخبار بوجهين الأول حمل هذا الخبر على التقية والثاني حمل الاختلاف على التخيير والشهرة يعتضد الأول ويؤيده كون هذا الخبر مخالفا لما عليه عمل الأصحاب من تربيع التكبير في أول الاذان وتثنية التهليل في اخره فالعمل على المشهور ويكره الترجيع لغير الاشعار اختلف الأصحاب في حقيقة الترجيع فقال الشيخ في المبسوط انه تكرار التكبير والشهادتين في أول الاذان وقال المصنف في المنتهى انه تكرار الشهادتين مرتين وقال الشهيد في الذكرى انه تكرار الفصل زيادة على الموظف وهو مناسب لما ذكره بعض أهل اللغة من أنه ترديد القراءة وذكر جماعة من أهل اللغة منهم صاحب القاموس وصاحب المغرب انه تكرار الشهادتين جهرا بعد اخفائهما وهو ناظر إلى قول الشافعي حيث استحب الترجيع بهذا المعنى تعويلا على حجة ضعيفة ومن العامة من سنه وقال معناه ان يحفض مرة ويجهر أخرى من غير زيادة على فصول الاذان واختلف الأصحاب في حكم الترجيع أيضا فقال الشيخ في المبسوط والخلاف انه غير مسنون وقال ابن إدريس وابن حمزة انه محرم وهو ظاهر الشيخ في النهاية وذهب آخرون إلى كراهته قال في لنتهى الترجيع مكروه ذهب إليه علمائنا وهذا مشعر بالاتفاق فلعله يريد بالكراهة المعنى الشامل للتحريم حجة القول بالتحريم لا يخلو عن رجحان لان الاذان سنة متلقاه من الشارع كساير العبادات فتكون الزيادة فيه تشرعيا محرما والمراد بالزيادة المحرمة زيادتها على انها من الاذان معتبرة فيه لا مطلقا واما الترجيع لاشعار المصلين فجوزه الشيخ ومن تأخر عنه ونقل المصنف في المختلف الاتفاق عليه ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة وفي حي على الصلاة أو حي على الفلاح المرتين والثلث وأكثر من ذلك إذا كان إماما يؤيد جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به باس والخبر المذكور بعد انضمامه إلى الاجماع المنقول كاف في حصول الظن بمدلوله وكذا يكره الكلام لغير المصلحة الصلاة بعد قول المؤذن قد قامت الصلاة كراهة مغلظة واليه ذهب الأكثر وقال الشيخان في النهاية والمقنعة والمرتضى في المصباح إذا قال الامام قد قامت الصلاة حرم الكلام الا ما يتعلق به والصلاة من تسوية صف أو تقديم امام واحتجوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عمير قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتكلم في الإقامة قال نعم فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد الا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم امام فلا باس أن يقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان وفي الصحيح عن أبي جعفر (ع) أنه قال إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام وأهل المسجد الا في تقديم امام وفي الموثق عن سماعة قال قال أبو عبد الله (ع) إذا قال المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام الا ان يكون القوم (يعرف) ليس لهم امام والجواب ان هذه الأخبار معارضة بصحيحة حماد بن عثمن ورواية الحسن بن شهاب السالفتين عند شرح قول المصنف تاركا للكلام فيجب حمل التحريم فيها على الكراهة الشديدة جمعا بين الأدلة والالتفات يمينا وشمالا في أثناء الاذان بل يلزم سمت القبلة لعموم أدلة الاستقبال وهذا رد على الشافعي حيث استحب ان يلتفت عن يمينه عند قوله حي على الصلاة عن يساره عند قوله حي على الفلاح وعلى ابن حنيفة حيث استحب ان يدار بالاذان في المأذنة ومع التشاح يقدم الأعلم ومع التساوي يقرع اي لو اجتمع اثنان فصاعدا وكل منهم يريد الاذان قدم الأعلم والظاهر أن المراد به الأعلم باحكام الاذان التي من جملتها الأوقات كما صرح به جماعة من المتأخرين ومع التساوي يقرع وفي الذكرى قدم الأعلم بالأوقات وقال الشيخ في المبسوط وإذا تشاح الناس في الاذان أقرع بينهم لقول النبي صلى الله عليه وآله لو يعلم الناس ما في الاذان والصف الأول ثم لم (يجلدوا) يجدوا الا ان يستهموا عليه لفعلوا فدل على جواز الاستفهام فيه ولم يذكر الشيخ الترجيح بالأعلمية قال المصنف في التذكرة وهذا القول جيد مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة في التأذين وان لم يتساووا قدم من كان أعلى صوتا وأبلغ في معرفة الوقت و أشد محافظة عليه ومن يرتضيه الجيران واعف عن النظر وقريب منه كلامه في المنتهى وقال الشهيد في الذكرى ومع التشاح يقدم من فيه صفة كمال واعتبار صفة الكمال مطلق محل اشكال وذكر المدقق الشيخ على في اعتبار الأوصاف ومراتب تقديم بعضها على بعض تفاصيل لا ترتبط بدليل وذكر جماعة من الأصحاب ان الكلام انما يختص بصوت الارتزاق من بيت المال حيث لا يحتاج إلى المتعدد والا اذن الجميع والتحقيق ان اختلاف الصفات إن كان بحيث يختلف به مصالح المسلمين كان تقديم الراجح متجها وان لم يحصل التشاح والا فاثبات التقديم بهذه المرجحات محل اشكال لفقد النص الدال عليه وعدم استقلال العقل باثبات هذه الأمور ويجوز مع الاجتماع ان يؤذنوا دفعة والأفضل ان يؤذن كل واحد بعد فراع الأخر وينبغي تقييد الأفضلية المذكورة بسعة الوقت كما صرح به في غير هذا الكتاب وفاقا للمحقق (ره) والمراد بها عدم اجتماع الامام والمأمومين لاتساع وقت اجزاء الصلاة فان تأخير الصلاة عن وقتها المطلوب شرعا لأمر غير موظف مستبعد جدا ومع ذلك فاثبات الأفضلية المذكورة محل اشكال قال الشيخ في الخلاف لا ينبغي الزيادة على اثنين واستدل باجماع الفرقة على ما رووه من أن الاذان الثالث بدعة ونقل عن ولده الشيخ أبى على أنه قال في شرح النهاية والده ان الزايد على اثنين بدعة باجماع أصحابنا وقال الشيخ في المبسوط ويجوزان يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع واحد فإنه اذان واحد فاما إذا اذن واحد بعد الأخر فليس ذلك بمسنون ولا مستحب وفسر المصنف في المنتهى والمحقق في المعتبر اذان الواحد بعد الأخر بان يبنى كل واحد على فصول الأخر وهو المعبر عنه بالتراسل وفيه بعد بل الظاهر من كلامه وقوع المجموع بعد تمام الأول كما فهمه المصنف في التذكرة وعلل كراهته بأنه يتضمن تأخير الصلاة عن أول وقتها من غير موجب وهو حسن ويمكن الاستدلال على ما اختاره الفاضلان في أصل المسألة بعموم الأدلة الدالة على شرعية الاذان وشمولها لمحل النزاع فلا يلزم كونه بدعة ولقائل أن يقول عدم تمكين النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك مع توفر الداعي عليه شاهد للكراهة أو التحريم واعلم أنهم ذكروا ان الاذان الثاني تحريمه على وجه كونه وظيفه شرعية بهذا الوجه كما زعمه العامة لا من حيث كونه ذكرا صرح به المدقق الشيخ على في شرح القواعد ويجتزي الامام باذان المنفرد ذكره كثير من الأصحاب واحتجوا عليه بفعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد عن أبي جعفر (ع) قال كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال قوموا فقمنا فصلينا معه بغير اذان ولا إقامة قال يجزيكم اذان جاركم وعن ابن مريم الأنصاري قال صلى بنا أبو جعفر (ع) في قميص بلا ازار ولا رداء ولا اذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا ازار ولا رداء ولا اذان ولا إقامة فقال إن قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون على ازار ولا رداء واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزاني ذلك وفي طريق الروايتين ضعف لكنهما مؤيدتان بالشهرتان
(٢٥٧)