وأنصحهم لي، وأوثقهم في نفسي إن شاء الله (1).
روى المفيد: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما أراد أن يبعث مالك الأشتر إلى مصر - وكان ذلك بعد شهادة محمد بن أبي بكر - قال له: ليس لهذا الوجه غيرك، فأخرج فإني إن لم أوصيك اكتفيت برأيك. واستعن بالله على ما أهمك. واخلط الشدة باللين، وارفق ما كان الرفق أبلغ، واعتزم على الشدة متى لم يغن عنك إلا الشدة.
وقدم أمير المؤمنين (عليه السلام) أمامه كتابا إلى مصر: بسم الله الرحمن الرحيم - إلى أن قال: - وإني قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف ولا ينكل عن الأعداء حذر الدوائر، من أشد عبيد الله بأسا وأكرمهم حسبا، أضر على الفجار من حريق النار، وأبعد الناس من دنس أو عار.
وهو مالك بن الحارث الأشتر. لا نابي الضريبة، ولا كليل الحد. حليم في الحذر، رزين في الحرب، ذو رأي أصيل وصبر جميل. فاسمعوا له، وأطيعوا أمره. فإن أمركم بالنفير، فانفروا، فإن أمركم أن تقيموا، فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري. فقد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم وشدة شكيمة على عدوكم. عصمكم الله بالهدى، وثبتكم بالتقوى، ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ثم ذكر دسيس معاوية في أمره وكيفية شهادته مسموما.
ولما بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاة الأشتر، جعل يتلهف ويتأسف عليه ويقول: لله در مالك. لو كان من جبل، لكان أعظم أركانه. ولو كان من حجر، كان صلدا. أما والله ليهدن موتك. فعلى مثلك فلتبك البواكي. ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
والحمد لله رب العالمين. إني أحتسبه عندك، فإن موته من مصائب الدهر. فرحم الله مالكا، قد وفى بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه - الخ (2). ونحوه غيره فيه وفي البحار (3).