جهة إثبات الأسماء بطريق الاشتقاق، والثاني: من جهة السماع، فأما التي من جهة الاشتقاق فإنهم قالوا إنه معلوم عند أهل اللغة الخمر إنما سميت خمرا لمخامرتها العقل، فوجب لذلك أن ينطلق اسم الخمر لغة على كل ما خامر العقل. وهذه الطريقة من إثبات الأسماء فيها اختلاف بين الأصوليين، وهي غير مرضية عند الخراسانيين. وأما الطريقة الثانية التي من جهة السماع، فإنهم قالوا إنه وإن لم يسلم لنا أن الأنبذة تسمى في اللغة خمرا فإنها تسمى خمرا شرعا، واحتجوا في ذلك بحديث ابن عمر المتقدم، وبما روي أيضا عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة وما روي أيضا عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال: إن من العنب خمرا، وإن من العسل خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن الحنطة خمرا وأنا أنهاكم عن كل مسكر فهذه هي عمدة الحجازيين في تحريم الأنبذة. وأما الكوفيون فإنهم تمسكوا لمذهبهم بظاهر قوله تعالى: * (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) * وبآثار رووها في هذا الباب، وبالقياس المعنوي. أما احتجاجهم بالآية فإنهم قالوا:
السكر هو المسكر، ولو كان محرم العين لما سماه الله رزقا حسنا. وأما الآثار التي اعتمدوها في هذا الباب، فمن أشهرها عندهم حديث أبي عون الثقفي عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: حرمت الخمر لعينها والسكر من غيرها وقالوا: هذا نص لا يحتمل التأويل. وضعفه أهل الحجاز لان بعض رواته روى والمسكر من غيرها. ومنها حديث شريك عن سماك بن حرب بإسناده عن أبي بردة بن نيار قال: قال رسول الله (ص) إني كنت نهيتكم عن الشراب في الأوعية فاشربوا فيما بدا لكم ولا تسكروا خرجها الطحاوي، ورووا عن ابن مسعود أنه قال: شهدت تحريم النبيذ كما شهدتم، ثم شهدت تحليله فحفظت ونسيتم. ورووا عن أبي موسى قال: بعثني رسول الله (ص) أنا ومعاذا إلى اليمن، فقلنا: يا رسول الله إن بها شرابين يصنعان من البر والشعير: أحدهما: يقال له المزر، والآخر يقال له البتع، فما نشرب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اشربا ولا تسكرا خرجه الطحاوي أيضا، إلى غير ذلك من الآثار التي ذكروها في هذا الباب. وأما احتجاجهم من جهة النظر فإنهم قالوا: قد نص القرآن أن علة التحريم في الخمر إنما هي الصد عن ذكر الله ووقوع العداوة والبغضاء كما قال تعالى:
* (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) * وهذه العلة توجد في القدر المسكر فيما دون ذلك، فوجب أن يكون ذلك القدر هو الحرام إلا ما انعقد عليه الاجماع من تحريم قليل الخمر وكثيرها،