قال أبو محمد: فالواجب علينا عند تنازعهم ما افترض الله تعالى علينا إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فنظرنا في الراكب فوجدناه مصرفا لدابته حاملا لها فما أصابت مما حملها عليه فان عمد فعليه القصاص في النفس فما دونها لأنه متعد مباشر للجناية، وإن كان مما لا يضمنه فإن كان ذلك وهو لا يعلم بما بين يديه فهو إصابة خطأ يضمن المال وعلى عاقلته الدية في النفس وعليه الكفارة لأنه قاتل خطأ وما أصابت برأسها أو بعضتها أو بذنبها أو بنفحتها بالرجل أو ضربت بيديها في غير المشي فليس من فعله فلا ضمان عليه فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العجماء جرحها جبار ".
وأما القائد فإن كان يمسك الرسن أو الخطام فهو حامل للدابة على ما مشت عليه فان عمد فالقود كما قلنا والضمان في المال وان لم يعمد فهو قاتل خطأ فالدية على العاقلة والكفارة عليه في ماله ويضمن المال فان كانت الدواب مقصورة بعضها إلى بعض كذلك فكذلك أيضا ولا فرق وسواء كان على الدابة المقودة راكب أو لم يكن لا ضمان على الراكب إلا أن حملها أو أعان فهو والقائد شريكان وإلا فلا فإن كان القائد لا رسن بيده ولا عقال فلا ضمان عليه البتة لأنه لم يتول شيئا ولا باشر فيما أتلف من دم أو مال شيئا أصلا وقد قال عليه الصلاة والسلام " العجماء جرحها جبار " وأما الرديف فإن كان يمسك العنان هو وحده ولا يمسكه المتقدم فحابس العنان هو الضامن وحده وعليه في العمد القود وفي الخطأ الكفارة والدية على العاقلة ولا ضمان ولا شئ على المتقدم إلا أن يعين في ذلك، وأما السائق فان حملها بضرب أو نخس أو زجر على شئ ما فان عمد فالقود والضمان وان لم يعمد فهو قاتل خطأ كما قلنا فإن لم يحملها على شئ فلا ضمان عليه لأنه لم يباشر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جرح العجماء جبار " ومن أوثق دابته على طريق المسلمين فلا ضمان عليه وكذلك لو أرسلها وهو يمشي وليس كل مسئ ضامنا، وقد علمنا وعلم كل مسلم ان عامل السلاح وبائعها في الفتن فمخالف ظالم ومسئ، ومعين بذلك على قتل الناس ولا خلاف في أنه لا ضمان عليه، فان قيل إن غيره هو المتولي قيل لهم والدابة هي المتولية أيضا وجرحها جبار وكذلك من حل دابة أو طائرا عن رباطها فلا ضمان عليه فيما أصابت لأنه لم يعمد ولا باشر ولا تولى وأما من ركب دابة ولها فلو يتبعها فأصاب الفلو انسانا أو مالا فهو الحامل له على ذلك فان عمد فالقود وان لم يعمد فهو قاتل خطأ، برهان ذلك أنه في إزالته أمه عنه مستدع له إلى المشي وراءها فهو مباشر لاستجلابه فلو ترك الفلو اتباع أمه وأخذ يلعب أو خرج عن اتباعها فلا ضمان على راكب أمه أصلا وكذلك من استدعى بهيمة بشئ تأكله وهو يدري أن في طريقها متاعا تتلفه أو انسانا راقدا