من ولد آدم في أن حال السكران في أنه لا يدري ما يقول باق كما كان لم يحله الله تعالى عن صفته (فان قالوا): هو أدخل ذلك على نفسه (قلنا): نعم وهذا لا فائدة لكم فيه لوجوه، أولها أن هذا تعلل لا يوجب حكما لأنه لم يأت بهذا التعليل قرآن. ولا سنة. ولا اجماع. والثاني إنا نسألكم عمن أكره على شرب الخمر ففتح فمه كرها بأكاليب وصب فيه الخمر حتى سكر فان هذا لا خلاف في أنه غير آثم ولا في أنه لم يدخله على نفسه فينبغي أن يكون حكمه عندكم بخلاف حكم من أدخله على نفسه فلا تلزموا هذا المكره شيئا مما قال في ذلك السكر وإلا فقد تناقضتم، والثالث إنا نسألكم عمن شرب البلاذر فجن، أو تزيد نقطع عصب ساقيه فأقعد أيكون لذلك المجنون حكم المجانين في سقوط جميع الأحكام عنه أو تكون الأحكام لازمة له من أجل أنه أدخل ذلك على نفسه؟ وهل يكون للذي أبطل ساقيه عمدا أو أشرا ومعصية لله تعالى حكم المقعد في الصلاة وسقوط الحج وغير ذلك أم لا يسقط عنه شئ من ذلك من أجل إدخاله ذلك على نفسه؟ فمن قولهم بلا خلاف ان لهما حكم سائر المجانين وسائر القاعدين فبطل تعلقهم بأن السكران أدخل ذلك على نفسه، وقد صح أن حمزة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعلي بن أبي طالب. وزيد بن خالد هل أنتم إلا عبيد لآبائي وهو سكران فلم يعنفه على ذلك ولو قالها صحيحا لكفر بذلك وحاش له من ذلك، فصح أن السكران إذا ذهب تمييزه فلا شئ عليه لا في القذف ولا في غيره لأنه مجنون لا عقل له * (فان قالوا): قد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وإذا افترى جلد ثمانين (قلنا): حاشى لله أن يقول صاحب هذا الكلام الفاسد هم والله أجل. وأعقل. وأعلم من أن يقولوا هذا السخف الباطل ويكفي منه اجماعهم على أن من هذى فلا حد عليه ولو كفر أو قذف فهم يحتجون بما هم أول مخالف له وأحضر مبطل لحكمه ونعوذ بالله مثل هذا، وسنتكلم إن شاء الله تعالى في ابطال هذا الخبر من طريق اسناده ومن تخاذله وفساده في كلامنا في حد الخمر من ديواننا هذا إن شاء الله تعالى (فان قالوا): ومن يدري أنه سكران ولعله تساكر (قيل لهم): قولوا هذا بعينه في المجنون ومن يدري أنه مجنون ولعله متحامق وأنتم لا تقولون هذا بل تسقطون عنه الأحكام والحدود فالحال التي تدري في المجنون أنه مجنون بمثلها يدرى في السكران أنه سكران ولا فرق وهي أنه إذا بلغ من نفسه من التخليط في كلامه وأفعاله حيث يوقن أنه لا يبلغه من نفسه المميز الصاحي حياء من مثل تلك الحال فهذا بلا شك أحمق وسكران كما قال الله تعالى: (حتى تعلموا ما تقولون)
(٢٩٤)