سرق مالهما أو قطع عليهما الطريق فيسقط عنه حد السرقة بذلك. وحد المحاربة، والمفرق بين القذف وبين ما ذكرنا متحكم في الدين بلا دليل وإن كان الحد في القذف من حقوق الناس فعفو الناس عن حقوقهم جائز، فنظرنا في قول مالك فوجدناه ظاهر التناقض لأنه إن كان حد القذف عنده من حقوق الله تعالى فلا يجوز عفو المقذوف أراد سترا أو لم يرد لان الله تعالى لم يجعل له إسقاط حد من حدود الله تعالى وإن كان من حقوق الناس فالعفو جائز لكل أحد في حقه أراد سترا أو لم يرد ويقال لمن نصر هذا القول الظاهر الخطأ: ما الفرق بين هذا وبين من عفا عن الزاني بأمته وهو يريد تسترا على نفسه خوف أن يقيم الواطئ لها بينة بأنها له غصبها منه الذي هي بيده الآن؟ وبين من عفا عن سارق متاعه وهو يريد سترا على نفسه خوف أن يقيم الذي سرقه منه بينة عدل بأن الذي كان بيده سرقه منه وأنه مال من مال هذا الذي سرقه آخر فهل بين شئ من هذا كله فرق؟ هذا ما لا يعرف أصلا فسقط هذا القول جملة لتناقضه ولتعريه من الأدلة ولأنه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من التابعين، ثم نظرنا في قول أبي حنيفة فوجدناه قد تناقض لأنه جعله من حقوق الله تعالى ولم يجز العفو عنه أصلا فأصاب في ذلك ثم تناقض مناقضة ظاهرة فقال لا حد على القاذف الا أن يطالبه المقذوف فجعله بهذا القول من حقوق المقذوف وأسقطه بأن لم يطلبه وهذا تخليط ظاهر * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا لا حجة لهم فيه وقد نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد نا محمد بن أبي عدي عن محمد بن إسحاق عن عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت:
لما نزل عذرى قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فأمر بالمرأة والرجلين فضربوا حدهم * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام حد القذف ولم يشاور عائشة أمنا رضي الله عنها أن تعفو أم لا؟ فلو كان لها في ذلك حق لما عطله عليه السلام وهو أرحم الناس وأكثرهم حضا على العفو فيما يجوز فيه العفو فصح أن الحد من حقوق الله تعالى لا مدخل للمقذوف فيه أصلا ولا عفو له عنه، وأما من طريق الاجماع فان الأمة مجمعة على تسمية الجلد المأمور به في القذف حدا ولم يأت نص ولا اجماع بأن لانسان حكما في اسقاط حد من حدود الله تعالى فصح أنه لا مدخل للعفو فيه، وأما من طريق النظر فلو كان من حقوق الناس لكان العفو المذكور في ذلك لا يجوز البتة الا من المقذوف فيما قذف به لا فيما قذف به غيره من