كتمانها وكون المرء ظالما بذلك فإنما هو إذا دعى فقط لا إذا لم يدع كما قال تعالى:
(ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) ثم نظرنا في الخبر المذكور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حدثناه حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا إبراهيم بن محمد نا يحيى بن يعمر نا ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبي عمرة الأنصاري - هو عبد الرحمن بن زيد بن خالد - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها " * قال أبو محمد رحمه الله: فكان هذا عموما في كل شهادة في حد أو غير حد ووجدنا قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) فسوى الله تعالى بين وجوب أداء المرء الشهادة على نفسه وعلى والديه وأقاربه والأباعد فوجب من هذه النصوص أن الشهادة لا حرج على المرء في ترك أدائها ما لم يسألها حدا كان أو غيره فإذا سألها ففرض عليه أداؤها حدا أو غيره، وان من كان لانسان عنده شهادة والمشهود له لا يدري بها ففرض عليه اعلامه بها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم " فان سأله المشهود أداءها لزمه ذلك فرضا لما ذكرنا قبل من قول الله تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) وان لم يسئل لم يلزمه أن يؤديها وبالله تعالى التوفيق * وأما من كانت عنده شهادة على انسان بزنا فقذف ذلك الزاني انسان فوقف القاذف على أن يحد للمقذوف ففرض على الشاهد على المقذوف الزاني أن يؤدي الشهادة ولا بد سئلها أولم يسئلها علم القاذف بذلك أو لم يعلم وهو عاص لله تعالى ان لم يؤدها حينئذ لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " ولقوله عليه السلام:
" أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما " فهذا إذا أدى الشهادة التي عنده بصحة ما قذف به معين على إقامة حد بحق غير ظالم به معين على البر والتقوى وان لم يؤدها معين على الاثم والعدوان وهو ظالم قد أسلمه للظلم إذ تركه يضرب بغير حق، فان ذكروا ما ناه يوسف ابن عبد الله وغيره قالوا: حدثنا محمد بن الجسور ثنا قاسم بن اصبغ نا مطرف بن قيس حدثنا يحيى بن بكير نا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: أن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فقال: ان الاخر زنى فقال له أبو بكر: هل ذكرت ذلك لغيري؟ فقال: لا قال أبو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله فان الله يقبل التوبة عن