فأشبهت الوديعة والوكالة في الحياة وقياس مذهب أحمد أن ترك الدخول فيها أولى لما فيها من الخطر وهو لا يعدل بالسلامة شيئا، ولذلك كان يرى ترك الالتقاط وترك الاحرام قبل الميقات أفضل تحريا للسلامة واجتنابا للخطر وقد روي حديث يدل على ذلك وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر " اني أراك ضعيفا واني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " أخرجه مسلم.
(فصل) فإن مات رجل لا وصي له ولا حاكم في بلده فظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه يجوز لرجل من المسلمين أن يتولى أمره ويبيع ما دعت الحاجة إلى بيعه، فإن صالحا نقل عنه في رجل بأرض غربة لا قاضي بها مات وخلف جواري ومالا أترى لرجل من المسلمين بيع ذلك فقال أما المنافع والحيوان فإن اضطروا إلى بيعه ولم يكن قاض فلا بأس وأما الجواري فأحب إلي ان يتولى بيعهن حاكم من الحكام وإنما توقف عن بيع الإماء على طريق الاختيار احتياطا لأن بيعهن يتضمن إباحة فرج وأجاز بيع ذلك لأنه موضع ضرورة.
(فصل) وإذا أوصى إليه بتفريق مال لم يكن له أخذ شئ منه نص عليه أحمد فقال إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو يحتاج إليه فلا يأكل منه شيئا إنما أمر بتنفيذه وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك ان تضع ثلثي حيث شئت أو حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا لأنه يتناوله لفظ الموصي، ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد أخذه منه مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك أو عادته الاخذ من مثله فله الاخذ منه والا فلا ويحتمل أن له اعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق وقد فرق فيمن يستحق فأشبه ما لو دفع إلى أجنبي