ولنا ما روى ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه حراما لم يعطه متفق عليه. وفي لفظ لو علمه خبيثا لم يعطه، ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار عليها كالبناء والخياطة، ولان بالناس حاجة إليها ولا تجد كل أحد متبرعا بها فأجاز الاستئجار عليها كالرضاع وقول النبي صلى الله عليه وسلم في كسب الحجام " أطعمه رقيقك " دليل على إباحة كسبه إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله فإن الرقيق آدميون يحرم عليهم ما حرمه الله تعالى كما يحرم على الأحرار وتخصيص ذلك بما أعطيه من غير استئجار بحكم لا دليل عليه وتسميته كسبا خبيثا لا يلزم منه التحريم فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر تنزيها لدناءة هذه الصناعة وليس عن أحمد نص في تحريم كسب الحجام ولا الاستئجار عليها، وإنما قال نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ونقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكله نهاه وقال " أعلفه الناضح والرقيق " وهذا معنى كلامه في جميع الروايات وليس هذا صريحا في تحريمه بل فيه دليل على إباحته كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله على ما بينا وان إعطاءه للحجام دليل على إباحته إذ لا يعطيه ما يحرم عليه وهو عليه السلام يعلم الناس وينهاهم عن المحرمات فكيف يعطيهم إياها ويمكنهم منها، وأمره باطعام الرقيق منها دليل على الإباحة فيتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة دون التحريم وكذلك قول الإمام أحمد فإنه لم يخرج عن قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإنما قصد اتباعه
(١٢٢)