حرق النار " وروي عن جرير بن عبد الله أنه أمر بطرد بقرة لحقت ببقره حتى توارت، وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يؤوي الضالة إلا ضال " رواه أبو داود بمعناه، وقياسهم يعارض صريح النص، وكيف يجوز ترك نص النبي صلى الله عليه وسلم وصريح قوله بقياس نصه في موضع آخر؟ على أن الإبل تفارق الغنم لضعفها وقلة صبرها عن الماء (فصل) فإن كانت الصيود مستوحشة إذا تركت رجعت إلى الصحراء وعجز عنها صاحبها جاز التقاطها لأن تركها أضيع لها من سائر الأموال والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها في نفسها ولو كان المقصود حفظها في أنفسها لما جاز التقاط الأثمان فإن الدينار دينار حيثما كان (فصل) والبقر كالإبل نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وأبي عبيد، وحكي عن مالك ان البقرة كالشاة. ولنا خبر جرير فإنه طرد البقرة ولم يأخذها، ولأنها تمتنع عن صغار السباع وتجزئ في الأضحية والهدي عن سبعة فأشبهت الإبل وكذلك الحكم في الخيل والبغال فأما الحمر فجعلها أصحابنا من هذا القسم الذي لا يجوز التقاطه لأن لها أجساما عظيمة فأشبهت البغال والخيل ولأنها من الدواب فأشبهت البغال، والأولى الحاقها بالشاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الإبل بان معها حذاءها وسقاءها يريد شدة صبرها عن الماء لكثرة ما توعي في بطونها منه وقوتها على وروده وفي إباحة ضالة الغنم بأنها معرضة لاخذ الذئب إياها بقوله " هي لك أو لأخيك أو للذئب " والحمر مساوية للشاة في علتها فإنها لا تمتنع من الذئب، ومفارقة للإبل في علتها فإنها لا صبر لها عن الماء ولهذا يضرب المثل بقلة صبرها عنه فيقال ما بقي من مدته إلا ظمأ حمار. وإلحاق الشئ بما ساواه في علة الحكم وفارقه في الصورة أولى من الحاقه بما قاربه في الصورة وفارقه في العلة، فأما غير الحيوان فما كان منه ينحفظ بنفسه كأحجار الطواحين والكبير من الخشب وقدور النحاس فهو كالإبل في تحريم أخذه بل أولى منه لأن الإبل تتعرض
(٣٦٨)