وهذا لا ينافي الرواية الأولى فإنه أراد بقوله إن كان جعلها لله أي نوي بتحويطها جعلها لله فهذا تأكيد للرواية الأولى وزيادة عليها إذ منعه من الرجوع بمجرد التحويط مع النية وان أراد بقوله جعلها لله أي اقترنت بفعله قرائن دالة على إرادة ذلك من إذنه للناس في الدفن فيها فهي الرواية الأولي بعينها وان أراد وقفا بلسانه فيدل بمفهومه على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط والنية وهذا لا ينافي الرواية الأولى لأنه في الأولى انضم إلى فعله اذنه للناس في الدفن ولم يوجد ههنا فلا تنافي بينهما ثم لم يعلم مراده من هذه الاحتمالات فانتفت هذه الرواية وصار المذهب رواية واحدة والله أعلم واحتجوا بان هذا تحبيس أصل على وجه القربة فوجب أن لا يصح بدون اللفظ كالوقف على الفقراء ولنا أن العرف جار بذلك وفيه دلالة على الوقف فجاز ان يثبت به كالقول وجرى مجرى من قدم إلى ضيفه طعاما كان اذنا في أكله ومن ملا خابية ماء على الطريق كان تسبيلا له ومن نثر على الناس نثارا كان اذنا في التقاطه وأبيح أخذه وكذلك دخول الحمام واستعمال مائه من غير اذن مباح بدلالة الحال وقد قدمنا في البيع أنه يصح بالمعاطاة من غير لفظ وكذلك الهبة والهدية لدلالة الحال فكذلك ههنا وأما الوقف على المساكين فلم تجر به عادة بغير لفظ ولو كان شئ جرت به العادة أو دلت الحال عليه كان كمسئلتنا والله أعلم.
(١٩٢)