(فصل) ومن كانت له بئر فيها ماء فحفر آخر قريبا منها بئرا ينسرق إليها ماء البئر الأولى فليس له ذلك سواء كان محتفر الثانية في ملكه مثل رجلين متجاوزين في دارين حفر أحدهما في داره بئرا ثم حفر الآخر بئرا أعمق منها فسرى إليها ماء الأولى أو كانتا في موات فسبق أحدهما فحفر بئرا ثم جاء آخر فحفر قريبا منها بئرا تجتذب ماء الأولى، ووافق الشافعي في هذا الصورة الثانية لأنه ليس له ان يبتدي، ملكه على وجه يضر بالمالك قبله، وقال في الأولى له ذلك لأنه تصرف مباح في ملكه فجاز له فعله كتعلية داره، وهكذا الخلاف في كل ما يحدثه الجار مما يضر بجاره مثل ان يجعل داره مدبغة أو حماما يضر بعقار جارة يحيي ناره ورماده ودخانه أو يحفر في أصل حائطه حشا يتأذى جاره برائحته وغيرها أو يجعل داره مخبزا في وسط العطارين ونحوه من ما يؤذي جيرانه فلا يحل له ذلك وقال الشافعي له ذلك كله لأنه تصرف مباح في ملكه أشبه بناء، ونقضه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا اضرار " ولأنه احداث ضرر بجاره فلم يجز كالدق الذي يهز الحيطان ويخربها وكالقاء السماد والتراب ونحوه في أصل حائطه على وجه يضر به ولو كان لرجل مصنع ماء فأراد جاره غرس شجرة تين أو نحوها مما تسري عروقه فتشق حائطه مصنع جاره ويتلفه لم يملك ذلك وكان لجاره منعه وقلعها ان غرسها، ولو كان هذا الذي يحصل منه الضرر سابقا مثل من له في ملكه مدبغة أو مقصرة فأحيا انسان إلى جانبه مواتا وبناه دارا يتضر بذلك لم يلزم إزالة الضرر بغير خلاف نعلمه لأنه لم يحدث ضررا والله تعالى أعلم
(١٨٣)