لا يعلق حكما على ما ليس إلى معرفته طريق فلما لم يبينه تعين العرف طريقا لمعرفته إذ ليس له طريق سواه. إذا ثبت هذا فإن الأرض تحيى دارا للسكنى وحظيرة ومزرعة فاحياء كل واحدة من ذلك بتهيئتها للانتفاع الذي أريدت له، فأما الدار فبأن يبني حيطانها بما جرت به العادة وتسقيفها لأنها لا تكون للسكنى الا بذلك.
وأما الحظيرة فاحياؤها بحائط جرت به عادة مثلها وليس من شرطها التسقيف لأن العادة ذلك من غير تسقيف وسواء أرادها حظيرة للماشية أو للخشب أو الحطب أو نحو ذلك، ولو خندق عليها خندقا لم يكن احياء لأنه ليس بحائط ولا عمارة إنما هو حفر وتخريب، وإن حاطها يشوك وشبهه لم يكن احياء وكان تحجرا لأن المسافر قد ينزل منزلا ويحوط على رحله بنحو من ذلك، ولو نزل منزلا فنصب به بيت شعر أو خيمة لم يكن احياء، وإن أرادها للزراعة فبأن يهيئها لامكان الزرع فيها، فإن كانت لا تزرع الا بالماء فبأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر وإن كانت مما لا يمكن زرعها لكثرة أحجارها كأرض الحجاز فبأن يقلع أحجارها وينقيها حتى تصلح للزرع، وإن كانت غياضا وأشجارا كأرض الشعرى فبأن يقلع أشجارها ويزيل عروقها التي تمنع الزرع، وإن كانت مما لا يمكن زرعه الا بحبس الماء عنها كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء لكثرته فاحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما أرادها من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام فكان احياء كسوق الماء إلى الأرض التي لا ماء لها