" وأما ما سألت عنه يا أمير المؤمنين من أمر أهل الدعارة والفسق والتلصص إذا أخذوا في شيء من الجنايات وحبسوا هل يجرى عليهم ما يقوتهم في الحبس، والذي يجرى عليهم من الصدقة أو من غير الصدقة؟ وما ينبغي أن يعمل به فيهم.
قال: لابد لمن كان في مثل حالهم إذا لم يكن له شئ يأكل منه لامال ولاوجه شيء يقيم به بدنه أن يجرى عليه من الصدقة أو من بيت المال. من أي الوجهين فعلت فذلك موسع عليك، وأحب إلى أن تجري من بيت المال على كل واحد منهم ما يقوته، فإنه لا يحل ولا يسع إلا ذلك.
قال: والأسير من أسرى المشركين لابد أن يطعم ويحسن إليه حتى يحكم فيه، فكيف برجل مسلم قد أخطأ أو أذنب: يترك يموت جوعا؟ وإنما حمله على ما صار إليه القضاء أو الجهل.
ولم تزل الخلفاء يا أمير المؤمنين تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم و أدمهم وكسوتهم الشتاء والصيف. وأول من فعل ذلك على بن أبي طالب - كرم الله وجهه - بالعراق، ثم فعله معاوية بالشام، ثم فعل ذلك الخلفاء من بعده.
قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، عن عبد الملك بن عمير، قال: كان على بن أبي طالب إذا كان في القبيلة أو القوم الرجل الداعر حبسه، فإن كان له مال أنفق عليه من ماله، وإن لم يكن له مال أنفق عليه من بيت مال المسلمين، وقال: يحبس عنهم شره و ينفق عليه من بيت مالهم.
قال: وحدثنا بعض أشياخنا، عن جعفر بن برقان، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز:
" لا تدعن في سجونكم أحدا من المسلمين في وثاق لا يستطيع أن يصلي قائما، ولا تبيتن في قيد إلا رجلا مطلوبا بدم. وأجروا عليهم من الصدقة ما يصلحهم في طعامهم وأدمهم.
والسلام. " فمر بالتقدير لهم ما يقوتهم في طعامهم وأدمهم، وصير ذلك دراهم تجري عليهم في كل شهر يدفع ذلك إليهم، فإنك إن أجريت عليهم الخبز ذهب به ولاة السجن والقوام و الجلاوزة. وول ذلك رجلا من أهل الخير والصلاح يثبت أسماء من في السجن ممن تجرى عليهم الصدقة، وتكون الأسماء عنده، ويدفع ذلك إليهم شهرا