المؤمن حمى إلا من حق يجب بفجور أو قذف أو سكر أو تعزير للأمر أتاه لا يجب فيه حد. وليس يضرب في شيء من ذلك، كما بلغني أن ولاتك يضربون وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نهى عن ضرب المصلين. " (1) انتهى كلام أبي يوسف. وإنما حكيناه بطوله لاشتماله على أمور مهمة دقيقة، ولأنه يرينا أيضا سنخ أعمال الولاة والأمراء في تلك الأعصار ومعاملتهم للسجناء والأسراء، ويظهر منه التفصيل بين واجد المال وفاقده مستندا في ذلك إلى ما رواه عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
وقال الماوردي في الأحكام السلطانية:
" يجوز للأمير فيمن تكررت منه الجرائم ولم ينزجر عنها بالحدود أن يستديم حبسه إذا استضر الناس بجرائمه حتى يموت بعد أن يقوم بقوته وكسوته من بيت المال ليدفع ضرره عن الناس. " (2) وفي كتاب أحكام السجون عن كتاب نظم الحكم بمصر:
" وأول من أجرى من الخلفاء الراشدين على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم و كسوتهم صيفا وشتاء هو الإمام على (عليه السلام). فإذا كان للمجرم مال أنفق منه عليه في السجن، وإن لم يكن له مال أنفق عليه من بيت مال المسلمين حتى يحبس عن الناس شره. " (3) أقول: وكيف كان فالأقوى في المسألة هو التفصيل بين المتمكن فعلا أو بالقوة من تحصيل ما يعيش به، وبين غيره، ففي الأول يكون على نفسه وفي الثاني على بيت المال، اللهم إلا أن يكون للحكومة مانع من قبول المال والمؤونة من الخارج وتقتضي المصلحة كون الجميع على بيت المال تحت نظام واحد، كما لعله الغالب في سجون عصرنا، فتدبر.