أصل من أصول الحكمة وحكم من أحكام الدين، فإن الحقوق المتوجهة على قسمين: منها ما يصح استيفاؤه معجلا، ومنها ما لا يمكن استيفاؤه إلا مؤجلا. فإن خلي من عليه الحق وغاب واختفى بطل الحق وتوى (أي ذهب)، فلم يكن بد من التوثق منه، فإما بعوض عن الحق ويكون بمالية موجودة فيه وهي المسمى رهنا وهو الأولى و الأوكد، وإما شخص ينوب منابه في المطالبة والذمة وهو دون الأول، لأنه يجوز أن يغيب كغيبته ويتعذر وجوده كتعذره، ولكن لا يمكن أكثر من هذا. فإن تعذرا جميعا لم يبق إلا التوثق بحبسه حتى تقع منه التوفية لما كان عليه من حق، فإن كان الحق بدنيا لا يقبل البدل كالحدود والقصاص ولم يتفق استيفاؤه معجلا لم يبق إلا التوثق بسجنه، و لأجل هذه الحكمة شرع السجن. وقد روى الترمذي وأبو داود أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حبس في تهمة رجلا ثم خلى عنه. " (1) 4 - ومن الآيات أيضا قوله - تعالى - في سورة التوبة: " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم. " (2) قال في المجمع:
" معناه: واحبسوهم واسترقوهم، أو فادوهم بمال. وقيل: وامنعوهم دخول مكة و التصرف في بلاد الإسلام. " (3) أقول: قد عرفت أنه لايراد بالحبس في الكتاب والسنة حصر الشخص في مكان ضيق، بل هو ضد التخلية. فيراد به تحديد الشخص ومنعه من الانبعاث والتصرفات الحرة.
فهذه أربع آيات يستدل بها على مشروعية الحبس.
وأما السنة فالروايات الدالة على مشروعية الحبس إجمالا مستفيضة، بل لعلها