فيظهر من جميع ذلك أن مفاد اللفظين هو تحديد الشخص ومنعه من الانبعاث و الانطلاق والتصرفات الحرة، فليس للمكان وخصوصياته ووجود الإمكانات وعدمها دخل فيه، وإنما المهم صيرورة الشخص ممتنعا مقيدا.
وفي الخطط المقريزية:
" الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد، أو كان بتولي نفس الخصم أو وكيله عليه وملازمته له. ولهذا سماه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أسيرا، كما روى أبو داود وابن ماجة، عن الهرماس بن حبيب، عن أبيه، قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بغريم لي فقال لي: ألزمه. ثم قال لي: يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك؟ وفي رواية ابن ماجة: ثم مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بي آخر النهار فقال: ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم؟
وهذا كان هو الحبس على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر الصديق ولم يكن له محبس معد لحبس الخصوم، ولكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب ابتاع من صفوان بن أمية دارا بمكة بأربعة آلاف درهم وجعلها سجنا يحبس فيها.
ولهذا تنازع العلماء هل يتخذ الإمام حبسا على قولين: فمن قال: لا يتخذ حبسا، احتج بأنه لم يكن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا لخليفته من بعده حبس ولكن يعوقه بمكان من الأمكنة أو يقيم عليه حافظا وهو الذي يسمى الترسيم، أو يأمر غريمه غلامه بملازمته. و من قال: له أن يتخذ حبسا، احتج بفعل عمر بن الخطاب.
ومضت السنة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر وعثمان وعلى " رض " أنه لا يحبس على الديون ولكن يتلازم الخصمان. وأول من حبس على الدين شريح القاضي.
وأما الحبس الذي هو الآن فإنه لا يجوز عند أحد من المسلمين. وذلك أنه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء والصلاة، وقد يرى بعضهم عورة بعض، ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء، وربما يحبس