الغضبية، وليست هي أيضا أمورا تعبدية محضة ليؤتى بها بداعي القرب والتعبد المحض. بل الملاك في تشريعها قلع جذور الفساد وإصلاح الفرد والمجتمع. ويظهر هذا لكل من تتبع الكتاب والسنة.
ألا ترى أن أهم العقوبات الشرعية وأشدها هو قصاص النفس، وهو على ما نراه إعدام وإفناء للشخص، ولكن الله - تعالى - جعله حياة للناس فقال: " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب. " (1) بل جميع أحكام الله - تعالى - في جميع شؤون الإنسان تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمرية وإن لم نعرفها وليست تكاليف جزافية بلا ملاك:
ففي العلل، عن الرضا (عليه السلام) في جواب كتاب محمد بن سنان إليه: " جاءني كتابك; تذكر أن بعض أهل القبلة يزعم أن الله - تبارك وتعالى - لم يحل شيئا ولم يحرمه لعلة أكثر من التعبد لعباده بذلك! قد ضل من قال ذلك ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا، لأنه لو كان ذلك لكان جائزا أن يستعبدهم بتحليل ما حرم وتحريم ما أحل، حتى يستعبدهم بترك الصلاة والصيام وأعمال البر كلها، والإنكار له ولرسوله وكتبه والجحود، (و - ظ.) بالزنا والسرقة وتحريم ذوات المحارم وما أشبه ذلك من الأمور التي فيها فساد التدبير وفناء الخلق... إنا وجدنا كل ما أحل الله ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ولهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها، ووجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة بالعباد إليه ووجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء والهلاك. " (2) والأخبار في هذا المجال كثيرة تظهر لمن تتبع.
وعلى هذا فيجب أن يلحظ في السجون الشرعية أن لا تكون خاضعة لأهواء الحكام والضباط والمراقبين، بل تنظم على نحو تصير موانع قبل الفعل، وزواجر بعده. يعني أن العلم بشرعيتها يمنع من الإقدام على العمل، وتنفيذها بعد وقوعه يوجب تنبه المرتكب و ارتداعه عن العود اليه ويصلحه ويقومه. وبهذا الملاك أيضا يقع التشديد والتخفيف فيها أيضا.