عثراتهم. " فتدرج في الناس على منازلهم، وإن تساووا في الحدود المقدرة. فيكون تعزير من جل قدره بالإعراض عنه، وتعزير من دونه بالتعنيف له، وتعزير من دونه بزواجر الكلام وغاية الاستخفاف الذي لاقذف فيه ولا سب، ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الحبس الذي يحبسون فيه على حسب ذنبهم وبحسب هفواتهم; فمنهم من يحبس يوما، ومنهم من يحبس أكثر منه إلى غاية مقدرة. وقال أبو عبد الله الزبيري من أصحاب الشافعي: تقدر غايته بأشهر (في معالم القربة: غايته شهرا) للاستبراء والكشف، وبستة أشهر للتأديب والتقويم. ثم يعدل بمن دون ذلك إلى النفي والإبعاد إذا تعدت ذنوبه إلى اجتذاب غيره إليها واستضراره بها... ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الضرب ينزلون فيه على حسب الهفوة في مقدار الضرب وبحسب الرتبة في الامتهان والصيانة...
والوجه الثاني: أن الحد وإن لم يجز العفو عنه ولا الشفاعة فيه فيجوز في التعزير العفو عنه وتسوغ الشفاعة فيه. فإن تفرد التعزير بحق السلطنة وحكم التقويم ولم يتعلق به حق لآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح في العفو أو التعزير، وجاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " اشفعوا إلى، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء. " ولو تعلق بالتعزير حق لآدمي كالتعزير في الشتم والمواثبة ففيه حق المشتوم والمضروب، وحق السلطنة للتقويم والتهذيب...
والوجه الثالث: أن الحد وإن كان ما حدث عنه من التلف هدرا فإن التعزير يوجب ضمان ما حدث عنه من التلف... " (1) أقول: وما ذكره من عدم جواز العفو في الحدود ينافي ما بيناه في الجهة العاشرة من جواز عفو الإمام عنها إذا كان ثبوتها بالإقرار وتاب المجرم وندم، فراجع. نعم، يصح ما ذكره من جواز عفوه للتعزيرات إذا رآه صلاحا ولم يوجب تجرأ المجرم، وقد مر تفصيله.