وقد بلغت الشورى من الأهمية بحيث أمر الله - تعالى - نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عصمته و اتصاله بمنبع الوحي أن يشاور أصحابه ويحصل آراءهم، واستمرت سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك وإن كان العزم والقرار النهائي له (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقال - تبارك وتعالى -: " وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين. " (1) ولفظ الأمر وإن كان بحسب اللغة والمفهوم يعم جميع الشؤون الفردية والاجتماعية من السياسة والاقتصاد والثقافة والدفاع، وتحسن المشاورة أيضا في جميع ذلك حتى في الشؤون الفردية المهمة، ولكن المتبادر منه والمتيقن هو الحكومة والإمارة بشعبها التي من أهمها مسألة الحرب والدفاع، كما يشهد بذلك ما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. " (2) وما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة.
الحديث. " (3) وما عن الإمام المجتبى (عليه السلام) في كتابه إلى معاوية: " ولاني المسلمون الأمر بعده. " (4) إلى غير ذلك من موارد استعمال كلمة الأمر.
ووقوع قوله - تعالى -: " وشاورهم في الأمر " في سياق الآيات الحاكية عن غزوة أحد لا يدل على اختصاص الكلمة بالحرب والأمور الدفاعية، ولاعلى اختصاص مشاورة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، وإن كانت الحرب بنفسها من أهم شؤون الحكومة ومن أحوجها إلى التشاور. هذا.
وينبغي أن يزداد إعجابنا بهذا الدستور القرآني إذا مثلنا لعقولنا الوضع الحاكم في تلك الأعصار في الحكومات الدارجة، حيث لم يكن لعامة الناس وعي سياسي يحفزهم إلى التدخل في الأمور ومطالبته، وكان للحكام عند أكثرهم قداسة ذاتية تقربهم من الآلهة و تفرض التسليم لهم بلا نقد واعتراض، والمسلمون كانوا خاضعين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتوقعون منه (صلى الله عليه وآله وسلم) تشريكهم في الأمر والحكم; ففي هذا الظرف