أخصائيون في الأمور العامة المهمة من السياسة والاقتصاد والثقافة والدفاع، فيطرح لهم المسائل ويطلب منهم تبادل الآراء واستحصال الفكر الصحيح في كل مسألة وتنظيم البرامج والخطوط الكلية لإدارة النفوس والبلاد.
وليحذر الحاكم من الإعجاب بالنفس وبأفكار نفسه، بل يستمع الآراء المختلفة و يقلب وجوه الرأي، وبعد التأمل والتعمق فيها يختار ما هو الأصلح في مجالات الحكم، ولا يتبادر إلى التصميم والقرار قبل المشاورة وتبادل الأفكار وتلاقحها، فإن الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو، وضرر الخطأ والاشتباه من العظيم عظيم.
نعم، لما كان المسؤول والمكلف هو الحاكم فالملاك بعد المشاورة واستماع الأنظار المختلفة هو تشخيص نفسه، ولا يتعين عليه متابعة الأكثرية، ولا يلزم من ذلك كون الشورى بلا فائدة، إذ يترتب عليها مضافا إلى جلب أنظار المشاورين وإعطاء الشخصية لهم نضج الفكر والاطلاع على جوانب الأمر وعواقبه حتى يختار ما هو الأصلح بعد التأمل في الأنظار المختلفة والمقايسة بينها.
وفي نهج البلاغة: " وقال - عليه السلام - لعبد الله بن العباس وقد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: لك أن تشير على وأرى، فإن عصيتك فأطعني. " (1) وبالجملة فالإمام أو الأمير المسؤول هو الذي يختار ويعزم بعد إنضاج الفكر بالمشاورة.
واعتبار الأكثرية إنما يكون فيما إذا كان المسؤول هو الأمة أو أهل الحل والعقد، كما في انتخاب الإمام أو الممثلين، وكما في التقنين في مجلس الشورى; ففي هذه الموارد يكون الملاك آراء الجميع أو الأكثرية، كما لا يخفى.
وأما جعل الإمامة والولاية للشورى لا للشخص - كما قد يتلقى بألسنة بعض المتثقفين وكنت أنا أيضا في مجلس الخبراء مدافعا عن هذه الفكرة - فالظاهر أنه مخالف لسيرة العقلاء والمتشرعة، وليس أمرا صالحا لإدراة البلاد والعباد ولا سيما في