باعمال البدن يمنعها ان تدرك آفات النفس وآلامها الحاصلة لها المكتسبة من نتائج أعمالها ولوازم أخلاقها وملكاتها الردية ادراكا حقا غير مشوب بما تورده الحواس عليها وتشتغل به وتلهو وتنسى فإذا ارتفع الحجاب عن الانسان بالموت وانكشف الغطاء وقع بصره يومئذ إلى تبعات أفعاله ولحقات أعماله فيقع لها حينئذ إن كان سئ الأخلاق قبيح الأعمال ردى الاعتقاد الألم الشديد والداهية العظيمة كما في قوله تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فجحيم الآخرة وان كانت الطف من نعيم هذه الدنيا الا ان عذاب الأشقياء وآلامها على الوجه اللائق انما يتحقق فيها لا في هذه الدار لان لطافتها توجب ذلك لكون الادراك الذي هو ملاك العذاب ومبنى التألم فيها أصدق وأصفى وقوله تعالى وان جهنم لمحيطة بالكافرين يشير إلى أن باعث الألم والعذاب موجود بالفعل هاهنا للكفار وهم لا يدركونه لسكر طبيعتهم وتخدر أذواقهم وعمى بصيرتهم من ادراكه ومن تأمل في الأهوال العظيمة التي قد يراها الانسان في نومه أو يتوهمها من غير سبب خارجي ولا جهة محسوسة مع أنه لم يقصر ايلامها عن ايلام الخارجيات بل ربما زاد عليها بما لا يقاس ليعلم يقينا ان عذاب الآخرة أشد وأبقى من عذاب الدنيا لأنه أشد استقرارا وأوصل إلى النفس وأغرز فيها من هذه الحسيات.
ومنها ان التعذيب بالجهل المركب وغيره من الأحوال التي وعدها الشارع إن كان يلحق الجوهر الروحاني مجردا عن علائق الأجسام فكيف يحصل من مثله هذا التصور المحدود وليست معه قوه التخيل (1) والجهل المركب لا بد فيه من تصورات