الموت الطبيعي من باب الضرورات اللازمة لبعض الغايات الذاتية كما علمت في مباحث اقسام العلل والغاية الذاتية هاهنا هي قوه النفس وكمالها واشتداد جوهر الروح وقوه نفخ الصور التي نظيرها في مثال السفينة شده الريح العاصفة عليها ثم لا يخفى عليك ان أحوال سكان هذه السفينة عند هذه العاصفة الشديدة لا تخلو عن أمرين فإن كان من فيها عارفين بموجب التقدير الرباني اطمانت نفوسهم وسلموا إلى ربهم قبل ان ينكشف الغطاء وارتحلوا من الدنيا ووعظ بعضهم بعضا بالصبر وقلة الجزع وشوق الارتحال إلى دار المعاد فإذا تم لهم العلم بهذه السياسة القدرية والحكمة القضائية والعمل بموجب العقل والايمان فقد استراحوا من الغم والحزن ووصلوا إلى النعيم الدائم وان كانوا غير عارفين بموجب التقدير الإلهي وان كل ما يفعله الحكيم خير وصواب ولا مستمعين لحديث الانقياد والتسليم فجزاؤهم الجحيم والحرمان عن النعيم والبعد عن رضوان الله العليم الحكيم فصل في أن لكل شخص انساني ذاتا واحده هي نفسه وهي بعينها الحي المدرك السميع البصير العاقل وهي أيضا الغاذي والمنمي والمولد بل الجسم الطبيعي المتحرك النامي الحساس بوجه اعلم انا قد بينا هذا المعنى بوجه من البرهان فيما سبق الا انا نريد ان نوضح ذلك زيادة ايضاح لما فيه من عظيم الجدوى في باب معرفه التوحيد الأفعالي للحق الأول فنقول ان كل أحد منا يعلم بالوجدان قبل المراجعة إلى البرهان ان ذاته وحقيقته امر واحد لا أمور كثيره ومع ذلك يعلم أنه العاقل المدرك الحساس المشتهى والغضبان والمتحيز والمتحرك والساكن الموصوف بمجموع صفات وأسماء بعضها من باب العقل وأحواله وبعضها من باب الحس والتخيل وأحوالهما وبعضها من باب الجسم وعوارضه وانفعالاته وهذا وإن كان أمرا وجدانيا لكن أكثر الناس لا يمكنهم معرفته من باب الصناعة العلمية بل أنكروا هذا التوحيد إذا جاؤوا إلى البحث والتفتيش الا من
(٥٦)